خلال إدارة أوباما، كانت هناك موجة انتقاد لسياسة إدارة الارتباط مع إيران، التي تم انتهاجها آنذاك، تتمحور حول قلة معرفة الصحفيين والمحللين بتفاصيل المجتمع الإيراني. ولا يمكنني التحدث عن هذا، حيث إنني كنت في ذلك الوقت أرسل التقارير من طهران (وأذهب بعد ذلك إلى السجن لقيامي بهذا العمل). لكنني يمكنني الكتابة عما أراه في واشنطن الآن: أي اللحظة التي يثني فيها البعض على سياسة الرئيس دونالد ترامب تجاه إيران باعتبار أن سياسته تشكل دعماً لتطلعات الشعب الإيراني – دون شرح كيف، أو ما هي الأدوات التي من خلالها من أن يتحقق هذا الهدف.
والأكثر من ذلك، يبدو أن إدارة ترامب – بشكل أساسي من خلال العقوبات التي تفرضها، والتي لها تأثير في الحد بشكل كبير من الاتصال بالمكان – قد تجعل من الصعب إجراء دراسة مستنيرة لإيران. وهذا يجعل مبادرة «إعادة النظر بشأن إيران»، وهي سلسلة من الفعاليات التي تنظمها كلية جون هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، أكثر قيمة. والهدف من البرنامج هو تحدي المفاهيم التقليدية للحياة في إيران. وقالت لي «نرجس باجوغلي»، الأستاذة بالكلية، والتي طورت مبادرة «إعادة النظر بشأن إيران»، إن «السياسات الأميركية ضد إيران، حتى وإنْ كنت لا ترغب في الاعتراف بأنها فشلت، لم تسفر عن النتائج المرجوة». واستطردت: «لكي تكون هناك علاقة أكثر قوة بين الولايات المتحدة وإيران، حتى لو ظلت باردة، من الضروري أن يكون لدينا فهم أكثر اكتمالاً للدولة، وسياساتها ومجتمعها».
وفي حين أن المسؤولين والمعلقين الأميركيين يولون اهتماماً ظاهرياً فقط بالشعب الإيراني، الحقيقة هي أن كلا من النظام في طهران والإدارة في واشنطن يرون أن الإيرانيين يمثلون جزءاً من الأضرار الجانبية في صراع القوة بين الجانبين، في ظل استمرار سياسات النظام الإيراني المزعزعة للاستقرار. واللافت أن النظر بشكل فعلي في حياة الإيرانيين يظل غائباً إلى حد كبير.
ويشمل برنامج «إعادة التفكير في إيران» مجموعة واسعة من المواضيع، بدءاً من الجالية اليهودية في إيران إلى صناعة الأزياء. كما أن السياسة هي جزء من المزيج أيضاً.
وفي ظل عدم وجود اتصال مباشر مع إيران والإيرانيين، فإن مثل هذه التجمعات تملأ فراغاً مهماً – خاصة في ظل التوتر المتزايد. نحن بحاجة إلى علماء ومعلقين يستطيعون المطالبة ببعض المعرفة الحقيقية عن الحقائق المعاصرة في إيران لإثراء النقاش، ويهدف برنامج كلية جون هوبكينز للقيام بهذا.
وقال علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، إن «المنطق القائم على (ممارسة أقصى ضغط) يهدف إلى إخضاع إيران في أقل وقت ممكن»، في إشارة إلى استراتيجية إدارة ترامب للتعامل مع إيران. كان هذا وصفاً موجزاً ودقيقاً لسياسة البيت الأبيض بالنسبة لإيران كما ستجدون.
ولكن البيت الأبيض ليس هو الوحيد الذي يجد نفسه معزولاً تماماً تقريباً عن كل الحقائق الخاصة بالدولة الإيرانية. فقد كنا أيضاً بحاجة إلى نوافذ للإطلال على إيران أثناء إدارة أوباما، لكنها كانت قليلة حتى في ذلك الوقت.
وتحسن الوضع قليلاً عندما أطلقت الإدارة السابقة الرئيس باراك أوباما سياسة للانخراط مع طهران في إطار الإعداد لاتفاق نووي. ووصلت، على هامش هذه العملية، مجموعة من الصحفيين والباحثين والمستثمرين والسياح إلى طهران وبدأت في إعادة تخيل البلد الذي قلصه الخيال الأميركي إلى قوالب نمطية جوفاء. كانت مكاسب هذه الفترة متنوعة. وأهمها، في رأيي، كان التحول في وجهة نظر الأميركيين العاديين بالنسبة لإيران. لأول مرة، تمكنا من فصل الشعب الإيراني عن القيادة. وفي كتابي عن فترات السجن التي قضيتها في طهران، أكتب عن هذه الفترة بإسهاب، لأنني كنت أرويها عن كثب بطريقة لم تسنح لها الفرصة سوى لعدد قليل من المراقبين الآخرين.
لم يكن هذا انفتاحاً كاملاً، ولا انعكاساً بالطبع لنظام استبدادي يعتمد على الدين للحفاظ على سلطته. لم يكن الأمر أيا من هذا كالمعتاد.
كانت الفترة التي سبقت الاتفاق النووي فترة شعر فيها الإيرانيون بأنهم مخولون للتعبير عن آرائهم وتقديم مطالب. وكان القلق الأكثر إلحاحاً هو الأضرار الهائلة التي أحدثتها سنوات من العقوبات على اقتصاد البلاد.
وكان الناس يركزون بدرجة أقل على حريتهم وحقوقهم المدنية – كما كان الحال في جولات الاحتجاج السابقة التي شهدتها في عامي 2003 و2009 – وبدرجة أكبر على الرغبة في مستقبل اقتصادي أفضل. ورأيت بنفسي مدى تأثير الاضطراب الاقتصادي على تحويل تطلعات الشعب السياسية إلى الحفاظ على الذات.
كانت هذه فترة قصيرة الأجل. والآن، مرة أخرى، فإن الشعب الإيراني في موقف خطير لا يستطيع فيه التصرف، ونحن مرة أخرى نفتقر إلى رؤية حقيقية لما يحدث هناك.
ويغيب عن المناقشات السياسية الحالية أقل الدلائل على وجود نية لتمكين الشعب الإيراني. وهناك طرق كثيرة يمكننا المساعدة من خلالها. ولكن حتى الآن، قامت إدارة ترامب ووزارة الخارجية بخطوات – بدءاً من حظر السفر إلى تجريم المجندين العسكريين – وهذا ما يتطلب دراسة تسلط الضوء على نتائج هذه الخطوات. لقد اشتكى الكثيرون ممن يدعمون سياسة ترامب بخصوص إيران من أن المنافذ الإعلامية الأميركية أعطت وقتاً طويلاً من البث الحي لوزير خارجية إيران محمد جواد ظريف لدفع أجندة إيران. بدلاً من ذلك، كان يجب علينا التركيز على الاهتمامات والرغبات الفعلية للشعب الإيراني والاتجاهات السياسية والاجتماعية الحالية في ذلك البلد. وهذه هي وظيفة برنامج كلية الدراسات الدولية المتقدمة وغيره. إنني أود أن أرى ديمقراطية علمانية في إيران حيث جميع الناس –رجال ونساء – من جميع التوجهات العرقية والدينية والسياسية – يتمتعون بحقوق وامتيازات متساوية.
*مراسل «واشنطن بوست» في طهران من 2012-2016
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»