بعد أسبوع على تعرضهم لأعمال عنف بشعة في أقدس أيامهم، أحجم المسيحيون السريلانكيون عن أماكن عبادتهم. وقام أسقف كولومبو بقداس ديني متلفز من منزله، يوم الأحد، خوفاً على سلامة أتباع كنيسته الذين لم يتعافوا بعد من صدمة الهجمات الانتحارية المنسقة، التي قتلت أكثر من 250 شخصاً داخل كنائس وفنادق في البلاد.
الهجمات تبناها تنظيم «داعش»، وبعض المسؤولين أشاروا إلى إمكانية أن يكون القصد منها هو الانتقام للهجوم الذي نفذه عنصري أبيض على مسجدين في نيوزيلندا. لهذا، فإن شبح مخطط يقف وراءه تنظيم دولي متطرف يخيم على البلاد. وقد نشرت الذراع الدعائية لـ«داعش» على الإنترنت صوراً لشخص يشتبه في أنه زعيم المجموعة التي نفذت الهجوم، مصحوباً بسبعة أتباع ملثمين، وهو يعلن البيعة للتنظيم المتطرف وزعيمه البغدادي.
ورداً على ذلك، أوقفت السلطات السريلانكية عشرات المشتبه فيهم، وكشفت عن بعض مخابئ الأسلحة والمواد التي تصلح لصنع متفجرات. ودخل حظر التجول حيز التنفيذ في أجزاء من البلاد. ومساء الجمعة، مات 15 شخصاً على الأقل خلال غارة لجنود حكوميين على منزل في بلدة ساينتاماروتو الشرقية. ووفق تقارير الشرطة، فإن بعض المشتبه فيهم فجروا قنابلهم مع اقتراب قوات الأمن، فقتلوا أنفسهم إلى جانب ستة أطفال وثلاث نسوة داخل البيت نفسه، بينما توفي آخرون في تبادل لإطلاق النار لاحقاً.
العلاقة اللوجستية الدقيقة بين المقاتلين المحليين وتنظيم «داعش» ما زالت غير واضحة، لكن الهجمات أظهرت استمرار قدرة التنظيم المتطرف على استقطاب أنصار عبر العالم، رغم أنه فقد معاقله في العراق وسوريا.
ويقول خوان زاراتي، وهو نائب سابق لمستشار الأمن القومي لمحاربة الإرهاب في إدارة جورج دبليو. بوش، لـ«واشنطن بوست»: «ينبغي ألا نبالغ في التقليل من شأن ادعاءات أو قدرات داعش»، مضيفاً: «أعتقد أن داعش ربما تواصل مع التنظيمات المحلية بشكل مباشر أو اندمجت معه، ووجدت طريقة للمساعدة على التخطيط وتجويد قدراتها وفعاليتها على الميدان وتقويتها. إن شتات داعش وخبرته حقيقيان، كما أن لديه مخططات في جنوب آسيا وأماكن أخرى».
وأشار محللون إلى الطبيعة «الفيروسية» لرسائل «داعش» على الإنترنت ودعايته، والتي جندت أعضاء جدداً على نطاق لم يكن من الممكن تخيله سابقاً. وفي هذا الصدد، كتب جيمس ستافريديس، القائد الأعلى السابق لقوات «الناتو»، يقول: «إن داعش يشبه تكتلاً دولياً تخلص من الوجود المادي الفعلي على الأرض، وهو وجود مكلف ويتطلب وقتاً»، مضيفاً: «إن خريطة عالمية تُظهر الهجمات التي نفذها داعش أو كان مصدر إلهام لمنفذيها، معبّرةٌ ودالةٌ وتفُوق أي شيء تمكنت (القاعدة) من القيام به. وهو سيواصل تنفيذ هجمات قاتلة، وربما السعي لامتلاك أسلحة كيماوية وبيولوجية وسيبرانية».
وفي سيريلانكا، وجد المقاتلون المتشددون هدفاً هشاً بشكل خاص. خلاف سياسي بين رئيس البلاد ورئيس الوزراء يحمَّل جزئياً مسؤوليةَ الثغرات الأمنية التي أدت للتفجيرات، ومن ذلك أن مسؤولين داخل الحكومة بلغتهم معلوماتٌ بالتهديد المحتمل، لكنهم لم يحركوا ساكناً.
والآن، هناك خطر المبالغة في رد الفعل. فقد قال الرئيس السريلانكي مايثريبالا سيريسينا: «لقد اضطررنا لإعلان حالة طوارئ لكبح الإرهابيين وضمان بيئة آمنة في البلاد»، مضيفاً: «إن كل بيت في البلاد سيخضع للتحقق»، وستنجز قوائم بكل السكان حتى «لا يستطيع أي شخص مجهول العيش في أي مكان». وإلى ذلك، أمر الرئيس بحظر النقاب لأهداف أمنية. كما حمّل مسؤوليةَ إضعاف جهاز أمن البلاد للتحقيقات في الدور الدموي الذي لعبه الجيش السريلانكي في حرب أهلية دامت عقوداً مع الانفصاليين التاميل. المنتقدون استخفوا بهذا التوجه، معتبرين أنه يخدم مجموعة قومية بوذية مرتبطة بالقوات المسلحة، والتي تُعد مسؤولةً جزئياً عن إذكاء التوترات الطائفية.
غير أن نار التوترات الطائفية متأججة أصلاً. فقد قال مسؤولون محليون: إن مئات اللاجئين من الطائفة الأحمدية، والذين كانوا قد فروا في الأصل إلى سيريلانكا من باكستان هرباً من الاضطهاد الديني، يعيشون مختبئين الآن خوفاً من هجمات انتقامية.
*محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»