أخبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب زعيم كوريا الشمالية «كيم جونج أون»، صراحة، أن كوريا الشمالية ليست الجنة الموعودة التي تصورها جده، وإنما هي جحيم لا يستحقه أحد! بيد أن ترامب لم يدل بذلك التوبيخ شديد اللهجة في العاصمة الفيتنامية هانوي، وإنما كال المديح لكيم هناك، ووصفه بأنه «قائد عظيم». وبالغ إلى حد تبرئة ساحة الرجل القومي من مسؤولية المعاملة السيئة للطالب الأميركي «أوتو ورمبر» الذي تُوفي بعد وقت قصير من إطلاق سراحه من أحد سجون كوريا الشمالية.
لكن على رغم من ذلك، أخبر ترامب قبل 16 شهراً فقط، في خطاب له أمام البرلمان الكوري الجنوبي، قصة مختلفة اختلافاً كلياً. فأوضح أن «زهاء 100 ألف كوري شمالي يعانون في المعتقلات ويُجبرون على السخرة وتحمل التعذيب والتجويع والاغتصاب والقتل باستمرار». وأضاف: «إن حياة الرعب في كوريا الشمالية تدفع المواطنين إلى دفع رشى إلى المسؤولين الحكوميين من أجل خروجهم من البلاد». وعلى النقيض من المبالغات الكثيرة في معظم ما يقوله ترامب، إلا أن كل كلمة تفوّه بها في ذلك الاتهام صحيحة تماماً، ومدعومة بتحقيقات معمقة أجرتها الأمم المتحدة ونقابة المحامين الدولية وعدد من منظمات حقوق الإنسان. لكن في ظل حماسته من أجل قبول كيم وتعزيز سعيه من أجل ترشيح جائزة نوبل للسلام، نسي ترامب كل ذلك.
وفي عام 2017، شنّت إدارة ترامب حملة لتسليط الضوء على سجل كوريا الشمالية في حقوق الإنسان، بما في ذلك المعسكرات الموصوفة بأنها أسوأ من معسكرات ألمانيا النازية، وتلك الجرائم ضد الإنسانية مثل الإبادة والاستعباد والعنف الجنسي. وإضافة إلى خطاب ترامب، عقدت الولايات المتحدة اجتماعاً لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من أجل مناقشة اعتداءات نظام كيم.
والآن، مضت الإدارة في الاتجاه المعاكس تماماً. وللمرة الأولى منذ عام 2014، لم يُعقد اجتماع مجلس الأمن الذي ترعاه الولايات المتحدة حول حقوق الإنسان في كوريا الشمالية العام الماضي. وألغى نائب الرئيس الأميركي مايك بنس خطاباً حول الموضوع في ديسمبر. ولم تظهر حقوق الإنسان على أجندة الأسبوع الماضي في هانوي، كما أن ترامب لم يتفوّه، هو أو أي مسؤول بارز آخر، بكلمة عنها، باستثناء تصريح الرئيس حول وفاة «ورمبر».
والآن، أضحت استراتيجية ترامب في التعامل مع خصومه مثل «كيم» واضحة تماماً: فهو في البداية يضربهم بالعقوبات والانتقادات، ثم يكيل لهم المديح، ويبرر انتهاكاتهم ويأمل أن يشجعهم ذلك على تقديم تنازلات رفضتها أنظمتهم منذ عقود. ولابد أن تؤكد الكارثة الدبلوماسية في هانوي بما لا يدع مجالاً للشك أن الخطة لن تنجح، ولا حتى على الشاب البالغ من العمر 35 عاماً الذي يحكم واحدة من أكثر الدول انعزالاً في العالم. والتأثير الوحيد الواضح لدبلوماسية ترامب تجاه كيم هو أنه جعل الزعيم الكوري يعتقد أن بمقدوره تمرير صفقة تصب في مصلحة جانب واحد فتُمكنه من رفع معظم العقوبات عن كاهل كوريا الشمالية بينما تسمح له بالإبقاء على ترسانته النووية. ويتجاوز الإخفاق مبالغة ترامب عموماً في تقدير قدرته على إبرام الصفقات، إذ يُظهر تغاضي الإدارة تماماً عن ملف حقوق الإنسان أنها تسيئ فهم التحدي الذي يمثله النظام الستاليني الوحيد المتبقي في العالم. ونظرية الرئيس هي أن كيم سيقايض ترسانته النووية في مقابل احتمال حدوث تحول في اقتصاد كوريا الشمالية لكي يتحقق الازدهار المشهود في الجنوب. ومثلما حاول مسؤولو الاستخبارات أن يوضحوا لترامب، يفضل كيم الاحتفاظ بقنابله النووية على إطعام شعبه. فهو يعرف أن نظامه لن يوجد من دون هذه القنابل، ولا يمكن لنظامه الاستبدادي أن يحيا في ظل تحديث اقتصادي! والحقيقة المجردة هي أن نظام كوريا الشمالية وترسانته النووية مترابطان ومتداخلان.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
لكن على رغم من ذلك، أخبر ترامب قبل 16 شهراً فقط، في خطاب له أمام البرلمان الكوري الجنوبي، قصة مختلفة اختلافاً كلياً. فأوضح أن «زهاء 100 ألف كوري شمالي يعانون في المعتقلات ويُجبرون على السخرة وتحمل التعذيب والتجويع والاغتصاب والقتل باستمرار». وأضاف: «إن حياة الرعب في كوريا الشمالية تدفع المواطنين إلى دفع رشى إلى المسؤولين الحكوميين من أجل خروجهم من البلاد». وعلى النقيض من المبالغات الكثيرة في معظم ما يقوله ترامب، إلا أن كل كلمة تفوّه بها في ذلك الاتهام صحيحة تماماً، ومدعومة بتحقيقات معمقة أجرتها الأمم المتحدة ونقابة المحامين الدولية وعدد من منظمات حقوق الإنسان. لكن في ظل حماسته من أجل قبول كيم وتعزيز سعيه من أجل ترشيح جائزة نوبل للسلام، نسي ترامب كل ذلك.
وفي عام 2017، شنّت إدارة ترامب حملة لتسليط الضوء على سجل كوريا الشمالية في حقوق الإنسان، بما في ذلك المعسكرات الموصوفة بأنها أسوأ من معسكرات ألمانيا النازية، وتلك الجرائم ضد الإنسانية مثل الإبادة والاستعباد والعنف الجنسي. وإضافة إلى خطاب ترامب، عقدت الولايات المتحدة اجتماعاً لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من أجل مناقشة اعتداءات نظام كيم.
والآن، مضت الإدارة في الاتجاه المعاكس تماماً. وللمرة الأولى منذ عام 2014، لم يُعقد اجتماع مجلس الأمن الذي ترعاه الولايات المتحدة حول حقوق الإنسان في كوريا الشمالية العام الماضي. وألغى نائب الرئيس الأميركي مايك بنس خطاباً حول الموضوع في ديسمبر. ولم تظهر حقوق الإنسان على أجندة الأسبوع الماضي في هانوي، كما أن ترامب لم يتفوّه، هو أو أي مسؤول بارز آخر، بكلمة عنها، باستثناء تصريح الرئيس حول وفاة «ورمبر».
والآن، أضحت استراتيجية ترامب في التعامل مع خصومه مثل «كيم» واضحة تماماً: فهو في البداية يضربهم بالعقوبات والانتقادات، ثم يكيل لهم المديح، ويبرر انتهاكاتهم ويأمل أن يشجعهم ذلك على تقديم تنازلات رفضتها أنظمتهم منذ عقود. ولابد أن تؤكد الكارثة الدبلوماسية في هانوي بما لا يدع مجالاً للشك أن الخطة لن تنجح، ولا حتى على الشاب البالغ من العمر 35 عاماً الذي يحكم واحدة من أكثر الدول انعزالاً في العالم. والتأثير الوحيد الواضح لدبلوماسية ترامب تجاه كيم هو أنه جعل الزعيم الكوري يعتقد أن بمقدوره تمرير صفقة تصب في مصلحة جانب واحد فتُمكنه من رفع معظم العقوبات عن كاهل كوريا الشمالية بينما تسمح له بالإبقاء على ترسانته النووية. ويتجاوز الإخفاق مبالغة ترامب عموماً في تقدير قدرته على إبرام الصفقات، إذ يُظهر تغاضي الإدارة تماماً عن ملف حقوق الإنسان أنها تسيئ فهم التحدي الذي يمثله النظام الستاليني الوحيد المتبقي في العالم. ونظرية الرئيس هي أن كيم سيقايض ترسانته النووية في مقابل احتمال حدوث تحول في اقتصاد كوريا الشمالية لكي يتحقق الازدهار المشهود في الجنوب. ومثلما حاول مسؤولو الاستخبارات أن يوضحوا لترامب، يفضل كيم الاحتفاظ بقنابله النووية على إطعام شعبه. فهو يعرف أن نظامه لن يوجد من دون هذه القنابل، ولا يمكن لنظامه الاستبدادي أن يحيا في ظل تحديث اقتصادي! والحقيقة المجردة هي أن نظام كوريا الشمالية وترسانته النووية مترابطان ومتداخلان.
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»