منذ اندلاع الحرب في السودان، في إبريل 2023، تطرح الأطراف الدولية والإقليمية المبادرات لوقف الحرب، لكن جميعها لم ينجح حتى الآن في حل الأزمة؛ لعدم الرغبة في الوصول إلى سلام، إضافةً إلى الضغط الذي يمارسه قادة عسكريون وجماعة «الإخوان»، لاستمرار الحرب، وإنْ أدّت إلى مقتل الآلاف وتشريد الملايين، وإحداث دمار واسع في البنية التحتية والمجتمعية، وانهيار اقتصاد البلاد.وبين محاولات عربية وأفريقية ودولية، يقاطع الجيش مبادرات التفاوض لوقف الحرب، أو يظنّ أنه قادر على فرض شروطه على طاولة المفاوضات، فتتعثر المبادرة تلو الأخرى، وحتى ما اتفق عليه في المنامة، أو في منبر جدة، وغيرهما من المبادرات، لم يلتزم بتنفيذه، بما في ذلك مرور المساعدات الإنسانية، علاوةً على مقترحات الوقف المؤقت والدائم لإطلاق النار دون شروطٍ مسبقة، وحل النزاع من خلال الحوار السياسي.
وهناك من لا يريد وقف القتال والوصول إلى السلام، مع تنامي سطوة «الإخوان» داخل الجيش، إذ إن تبنّي قوات نظامية أيديولوجيا أو انتماء حزبي يزعزع استقرار البلاد، ويُفشل أي مبادرة، وطالما لم يفكّ الجيش الارتباط مع تنظيمات تدفع بالحجة تلو الأخرى لبقاء الحرب ومزاعم الحسم العسكري، مهما تحمّل السودانيون تبِعات الحرب من القتل والجوع والنزوح وتدمير البلاد، لدرجة قد لا تصلح لحياة البشر حتى بعد الحرب.
ويتفنّن الجيش في إفشال كل خطوة باتجاه السلام، لتشتيت وبعثرة الجهود الدولية والإقليمية لإنهاء الحرب، رغبة في تغذية عسكرية من قوى إقليمية بالأسلحة والطائرات المسيّرة، وترسيخ الحرب لسنوات، دون اهتمام بما تشكّله من تهديد للأمن الإقليمي، فكلما طالت الحرب خلقت عقبات جديدة، وتعقّدت المفاوضات بين الأطراف، وزادت مخاطر تقسيم البلاد.
ولا يمكن وصف خسائر السودان بقدر فداحتها، فخسائر الاقتصاد السوداني تشمل تدمير المصانع، وتعطل الإنتاج الزراعي، وانهيار القطاع الخدمي، وفقدان عشرات الآلاف من الضحايا، ولجوء السودانيين بالملايين إلى دول أخرى، وخسائر عسكرية ضخمة، سواء في العتاد والأشخاص؛ ولذا، فالاستفهامات عديدة في التعتيم الإعلامي على الخسائر العسكرية، دون أفق للتحركات العسكرية والسياسية.
وثمّة أدلة موثوق بها بارتكاب الجيش تصفيات وعمليات قتل خارج القانون في جنوب وشرق العاصمة السودانية الخرطوم، بعد دخوله مع الجماعات المتحالفة معه لهذه المناطق، وقد شملت التصفيات المدنيين على أساس جهوي والعاملين في المجال الإنساني، في وقتٍ السكانُ فيه أشد احتياجاً لقوت اليوم مع شبح المجاعة في البلاد، وهذا نهج وليس خطأً عابراً للجيش، ففي انتهاكات مشابهة طالت المئات من المدنيين في مدن، مثل ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة؛ ولذا تنادي مفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بالتحقيق في حالات إعدام مدنيين خارج القانون، بما تشكّله هذه الانتهاكات من استخفاف بالقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وقبلهما حقوق الشعب السوداني.وهذه الانتهاكات تحدُث بحق السكان المحليّين من قِبل الجيش، وتدعمه تنظيمات ملفوظة في العالم العربي، ومصنّفة في دول عدة حول العالم كجماعة إرهابية، إذ تنتهز الفرصة للقضاء على خصومها السياسيين والرافضين للحرب، وغالباً ما كانت الضحايا ممّن قرّروا البقاء في بيوتهم، واختاروا ألا يشاركون في القتال، ويبدو أن الهدف من هذه الانتهاكات قتل الصوت المعارض والمستقل؛ أي أن تدعم الحرب أو تُقتل!
ولا يتوقف دور الجماعة المتطرفة مع الجيش في دعم استمرار الحرب، أو تصفية المعارضين، بل تقود حملات إعلامية تُحرّض فيها على قتل المدنيين، وهذه البنية الإعلامية المتطرفة التي تتقاسمها جماعة الإخوان مع الجيش تندرج تحت طائلة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يعاقب عليها القانون الدولي.
ويبدو أن الجيش مستمر في تحالفه مع الجماعة الإرهابية في دحر السودان، وقد يتنازل لبلد هنا أو هناك على أجزاء من سيادة السودان أو موارده، بغرض دعم عسكري أو مساندة سياسية، لكن في النهاية الإرادة الوطنية ينبغي أن تصل بالبلاد إلى برّ السلام، مع إرادة إقليمية ودولية داعمة للتفاوض والسلام، وعدالة انتقالية ليتحوّل السودان إلى بلد السلام خيارِه الوحيد، وإعادة المسار المدني؛ وحتى نصل إلى هذا السياق، على الأطراف الرئيسية الضغط، وتفعيل الآليات الدولية لوقف الحرب اليوم وليس غداً، وإيصال المساعدات الإنسانية لاحتواء معاناة الشعب، وتحييد الأطراف الداعمة للحرب، مع ضمانات حماية المدنيين، فالحل السياسي هو طريق إنهاء الحرب، وعودة السودان إلى أهله البلد الطيب.
*الرئيــس التنفــيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات.