عندما وجَّه الرئيس دونالد ترامب تهديداً لكولومبيا بفرض تعرفات جمركية جديدة وقيود على التأشيرات خلال أيامه الأولى في منصبه، لم تضع بكين الفرصة. وبينما كانت الأزمة تتكشف بين البلدين، نشر السفير الصيني في كولومبيا رسالة واضحة على منصة «إكس»: «نحن في أفضل لحظة في علاقاتنا بين الصين وكولومبيا خلال الـ 45 عاماً الماضية».
لقد حاول وزير الخارجية، ماركو روبيو، خلال جولته في خمس دول بأميركا اللاتينية في فبراير الماضي، تقديم نهج ترامب الناشئ تجاه نصف الكرة الغربي على أنه سياسة «أميركا أولاً» الخارجية. ولكن قائمة ترامب الطويلة والمتزايدة من الإجراءات قصيرة النظر، قوضت بالفعل هذا الجهد الدبلوماسي المبكر، وخلقت فرصة في المنطقة لمنافسي أميركا، وأبرزهم الصين.

تشمل هذه الإجراءات فرض تعرفات جمركية على الألمنيوم والصلب، وتهديدات بفرض تعريفات على جيراننا في أميركا الشمالية، وتجميد المساعدات الخارجية، وأجندة تركز على الترحيل، ومطالبات إقليمية غير منطقية. ومع استمرار ترامب في هذه السياسة تستعد بكين لملء الفراغ.

على مدى الـ 25 عاماً الماضية، نمت الروابط الاقتصادية للصين مع أميركا اللاتينية بوتيرة ملحوظة. ففي عام 2000، كانت الصين تحتل المرتبة السابعة كأكبر سوق تصدير للمنطقة. واليوم، أصبحت الصين الشريك التجاري الثاني لأميركا اللاتينية ككل، بعد الولايات المتحدة فقط. وارتفعت صادرات أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي إلى الصين إلى حوالي 208 مليارات دولار في عام 2023 مقارنة بـ 112 مليار دولار في عام 2013.
في الوقت نفسه، أثبت نهج بكين في تمويل البنية التحتية من دون شروط، وتمويل مشاريع بناء مفيدة سياسياً في جميع أنحاء أميركا اللاتينية، أنه جذاب للغاية: فقد قامت الصين ببناء مكتبة حديثة بقيمة 54 مليون دولار في السلفادور، إضافة إلى ملاعب الكريكيت وكرة القدم في منطقة البحر الكاريبي وأميركا الوسطى، من بين العديد من المشاريع الأخرى. لكن للأسف، كما هو الحال في أفريقيا، غالباً ما تتجاهل مشاريع البناء الصينية في أميركا اللاتينية حقوق العمال والمعايير البيئية المحلية.
في غضون شهر بالكاد، تمكن ترامب من إرباك علاقات الولايات المتحدة مع بعض أقرب حلفائنا التاريخيين، بل وفتح الباب أمام بكين. فالتعرفات الجمركية التي اقترحها بنسبة 25% على المكسيك وكندا، والتي تم تأجيلها حالياً، لن تضر فقط بالمستهلكين في جميع أنحاء أميركا الشمالية، ولكنها ستوفر أيضاً فرصة للصين لتقديم نفسها كشريك اقتصادي أكثر موثوقية في المنطقة.

إن نهج الإدارة في خفض المساعدات الخارجية – التي بلغت في عام 2023 أكثر من 2 مليار دولار من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية وحدهما في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي – لن يرسل فقط إشارة إلى جيراننا بأن الولايات المتحدة لا يمكن الوثوق بها، بل سيعرض أمننا القومي للخطر أيضاً.
ففي أميركا الوسطى، تساعد أموال المساعدات الأميركية في الحد من الهجرة غير النظامية من جواتيمالا وهندوراس والسلفادور، بالإضافة إلى مكافحة العصابات العابرة للحدود مثل إم إس-13، التي تدير أنشطة إجرامية في الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية.
يركز نهج ترامب «أميركا أولاً» على الترحيل إلى حد كبير. فإعادة المهاجرين إلى بلدان أميركا اللاتينية تطغى على جميع القضايا الأخرى على أجندة الولايات المتحدة في المنطقة حتى الآن، كما أوضحت تهديدات ترامب بفرض تعريفات وحظر التأشيرات على كولومبيا. وقد أسفرت هذه التهديدات عن بعض الانتصارات التي يُنظر إليها على أنها نجاحات في العلاقات العامة، مثل استخدام الطائرات العسكرية الأميركية لإعادة المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية. هذه الصور قد تبدو جيدة على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن رحلات الترحيل التي قام بها الرئيس جو بايدن حققت النتائج نفسها – باستخدام طائرات الهجرة والجمارك الأميركية المصممة لهذه المهام.
على المدى القصير، قد تزعم إدارة ترامب تحقيق بعض الانتصارات، لأن العديد من حكومات المنطقة قد تسعى، مثل كولومبيا، إلى التكيف مع مطالب ترامب المتزايدة بشأن الهجرة لتجنب الانتقام. لكن على المدى الطويل، سيأتي ذلك بنتائج عكسية، مما سيدفع الحلفاء القدامى إلى البحث عن تعزيز علاقاتهم مع حكومات أخرى.
لطالما كانت المساعدات الخارجية الأميركية – حتى عندما كانت تتدفق – أقل بكثير مما هو مطلوب من حيث الكمية والسرعة. إذ تتخلف الاستثمارات الأميركية في أميركا اللاتينية، من خلال مؤسسة التمويل الإنمائي الدولية الأميركية التي أنشأها الكونجرس خلال الولاية الأولى لترامب، والتي تستثمر في مشاريع القطاع الخاص في البلدان النامية، عن تلك التي تقدمها البنوك والشركات الصينية. وبينما قد يكون هناك حديث عن زيادة تمويل مؤسسة التمويل الإنمائي من قبل إدارة ترامب، يجب ألا يأتي ذلك على حساب أموال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية الضرورية التي تعزز مصالحنا في الأميركتين.
بدلاً من تجميد المساعدات وفرض المزيد من التعرفات الجمركية، ينبغي لإدارة ترامب والكونجرس توسيع الاستثمارات والمساعدات الأميركية في المنطقة، حيث إن كليهما سيعزز في النهاية أمننا القومي.
إن مطالبات ترامب بإعادة قناة بنما إلى السيطرة الأميركية، التي كررها في خطابه الافتتاحي وتصريحات لاحقة، استحضرت أفكاراً تذكرنا بمبدأ مونرو، الذي قدمه الرئيس جيمس مونرو عام 1823 لمنع القوى الأجنبية من التأثير في أميركا اللاتينية. لكن بدلاً من تحقيق رؤية مونرو، فإن تكتيكات ترامب ستؤدي إلى عكس الهدف تماماً. يجب على إدارة ترامب تغيير مسارها بسرعة، وإلا فإنها تخاطر بانحسار نفوذ الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية، بينما تتقدم بكين لملء الفراغ.

* نائب سابق لمساعد وزير الخارجية لشؤون نصف الكرة الغربي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»