أحمل مشاعر احترام وتقدير كبيرين للعالم الجليل فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب الذي أجد فيه نموذجاً طيباً يعبّر عن قيم الإسلام، وهو أحد أبرز الشخصيات المعاصرة التي تدعو إلى الاعتدال في فهم الإسلام وتطبيقه. ولم يكن غريباً أن يُشيد الكثيرون بجهود شيخنا الطيب في تعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، ودعوته إلى التسامح والسلام، ومحاربة التطرف والإرهاب، وتأكيده المستمر على أهمية تجديد الخطاب الديني دون المساس بالثوابت الإسلامية.
مبكراً تنبهت أبوظبي لفكر الطيب، وفتحت له الآفاق لإرساء مبادئ الإسلام السمحة، فنجح في توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية مع قداسة بابا الفاتيكان قبل سنوات، التي باتت واحدة من أهم الوثائق التاريخية الدينية. وعلى النهج ذاته تسير مملكة البحرين التي دعمت تلك الوثيقة بعد اعتمادها من قبل الأمم المتحدة. وفي فبراير الماضي استضافت المنامة مؤتمر الحوار الإسلامي- الإسلامي «أمة واحدة ومصير مشترك» لبحث القاسم المشترك بين أبناء المذهبين السني والشيعي.
لا شك أن توقيت المؤتمر بالغ الأهمية في ظل الأزمات المتلاحقة التي تعيشها المنطقة، وما يحاك لها من مؤامرات ودسائس تعتمد في جوهرها على ما بين أبناء الأمة من خلافات يتم تضخيمها ونفخ النار فيها لتحجب الحقائق. كما لا ينبغي ألا ننسى أن الإرهاب والتطرف في أحد جوانبه يتغذى على نعرة الخلافات المذهبية، ويستغلها للترويج للأفكار المتطرفة، وتبرير أعمال العنف والإرهاب والكراهية، وتأجيج الخلافات، واتساع الهوة حتى بين أبناء القِبلة الواحدة.
إن الدعوة للحوار بين المذاهب الإسلامية ليست مجرد خيار أو قرار، بل هي ضرورة يفرضها الزمن الذي نعيشه، ويمكن أن يكون هذا الحوار أداة قوية لتعزيز الوحدة لمواجهة التطرف، وتعزيز التسامح والتفاهم بين المسلمين. كما يمكن عبر ذاك الحوار بناء جسور الثقة والتعاون بين أتباع المذاهب، بما يسهم في تحقيق الاستقرار والسلام في العالم الإسلامي.
 ومن باب الضرورات؛ قدم شيخ الأزهر اقتراحاً لعلماء الأمة الممثلين للمذاهب والمجتمعين في المؤتمر. ولا شك أن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بمبادرته هذه سيخرج المؤتمر بخطة جادة هدفها تعزيز الوحدة والتفاهم بين مدارس الفكر الإسلامي، مع التركيز على نبذ الفتنة والنزاعات الطائفية، والتمسك بمبدأ التعاون فيما اتفقنا عليه والعذر فيما اختلفنا فيه، ووقف خطابات الكراهية، بالإضافة إلى تجاوز الصراعات التاريخية، وكله يأتي في سبيل تعزيز استقرار الأوطان.
إن دعوة شيخ الأزهر تستند إلى رؤية منهجية واضحة ترتكز على المشتركات بين المذاهب، وتتجنب إثارة الخلافات العقائدية في أوساط العامة، مع التأكيد على أن التنوع المذهبي والفكري إنما هو جزء لا يتجزأ من سنن الكون والحياة، وبالتالي لا ينبغي أن تتحول الخلافات الفقهية إلى صراعات كما يحدث عادة، أو تذهب بأبناء الأمة إلى قطيعة، ثم إن التعاون وتوحيد الجهود في هذا الجانب سوف يسهم حتماً في تحقيق الأمن والاستقرار، وتجاوز التحديات التي تواجه العالم الإسلامي.
ومن جهة ثانية؛ فإن المكانة الكبيرة التي يحظى بها جامع الأزهر لدى الشيعة ومراجعهم الدينية ستكون أحد أهم عوامل تجاوبهم مع ما طرحه الطيب، وبالتالي وضع يدهم في يده من أجل البناء على ما تقدم به، ومن ثم تطويره، ووضع الآليات التي تجعل تطبيقه على أرض الواقع أمراً ممكناً.
كلمة شكراً لا تكفي لشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب على كل الدعم، وعلى مبادرته هذه كذلك، وإننا على يقين بأن سمعته الطيبة سوف تسهم في إنجاح مسعاه، وتحقيق مبتغاه، والذي هو مبتغى العقلاء الذين يريدون سلام الأوطان والشعوب على حد سواء.