العبارة أو الحكمة الشكسبيرية القائلة: إنّ المصائب لا تأتي فُرادى(!)، والتي اعتبر المسرحي الإنجليزي الكبير أنها تصح على زمنه في القرن السادس عشر، ليست أقلَّ صحةً الآن، وبخاصةٍ في منطقة الشرق الأوسط. عندما يسمع المراقب كلام المسؤولين في سوريا ولبنان عن الاستقرار وإعادة الإعمار، وعن الإقبال العربي والدولي على دعم هذين الهدفين واحتضانهما، يشعر بالتفاؤل بعد عقدين من التأزم وعدم الاستقرار في البلدين.. ومعهما العراق!

    بيد أنّ الرياح العاتية تهبُّ من كل جانب مذكِّرةً بالمشكلات القديمة والأخرى المستجدة، وهي قضايا ومشكلات تكاد تستعصي على الحلّ إن لم يكن هناك احتضان عربي ودولي بالفعل لهذين البلدين، والآن لفلسطين قبل ذلك وبعده.  

  يُواجه الحكم الجديدُ في سوريا عدة مشكلاتٍ كبيرةٍ موروثةٍ من أيام النظام السابق، ومنها التهجير ودمار العمران والانقسامات الداخلية وحضور القوى الإقليمية والدولية بالداخل، فضلاً عن بقايا الإرهاب. بيد أنّ الأولوية تظلُّ الآن للأمن الداخلي الذي يحتاج إلى الشرطة والجيش، ولا شرطة كما هو معروف، بل مَن حدَّدتهم الإدارة العسكرية وهم ليسوا كافين. ولا شك في أنه من الخَطِر أن يصبح هؤلاء الشبان مسؤولين عن الأمن ويواجهون كبار رجالات العهد السابق ممن لم يستطيعوا الهرب من البلاد، وليست هناك حتى الآن مؤسسات لممارسة المحاسبة والعدالة الانتقالية، والمصير إلى الانتقام ينتج مشكلاتٍ لا حصر لها.

    بيد أنّ المشكلات الخارجية التي تهدد الاستقرار تظل أكبر؛ فهناك عدة جيوش بالداخل السوري، منها الأميركي والتركي والروسي، وعدة ميليشيات مسلحة في الشمال والشمال الشرقي والجنوب ذات ولاءات مختلفة.

ويحاول الرئيس أن يجمع أكثرها في الجيش الوطني الجديد. وينذر الأتراك أنفسهم للمساعدة في ذلك، وثمة مَن يتحدث عن قواعد عسكرية تركية بسوريا. وفي حين يهدد زعماءُ ميليشيات عراقية الحكمَ السوريَّ الجديد بحجج طائفية، تجري اشتباكاتٌ شبه يومية على الحدود اللبنانية بين قوات الأمن الجديدة و«العصابات» المسلحة من لبنان، وهم خليطٌ من مهربي المخدرات والطاقة ومهربي السلاح عبر الحدود.

أما في لبنان فما يزال الجدل دائراً حول تشكيل الحكومة التي ينبغي أن تكون قادرةً على إنفاذ برنامج النهوض الذي حدَّده الرئيس في خطاب القسم، ومن ضمنه تطبيق القرار الدولي رقم 1701 للفصل على الحدود مع إسرائيل بوساطة الجيش والقوات الدولية، وبخاصةٍ أن وقف النار لم يثبتْ بعد. الأمر الجديد أنّ رئيس الحكومة المكلف ما استطاع النجاة من براثن الأحزاب، فجاءت اقتراحاته للحكومة من ممثلي الأحزاب باستثناء واحد أو اثنين. لكن بغضّ النظر عن استقلالية وجدية بعض الوزراء، فإنّ المهمَّ أن تتشكَّل الحكومة الآن وسط الموجة المتفائلة من جانب العرب والدوليين بمستقبل لبنان، ولكي يمكن اجتذاب الاحتضان عن طريق كفاءة المؤسسات الجديدة.

    لدى لبنان مشكلات هائلة أقلّها تشكيل الحكومة، ومنها المهجَّرون السوريون، وهم حوالى المليون ونصف المليون، ويشترط الحكم السوري الجديد لقبول عودتهم أن تفرج السلطات اللبنانية عن مليارات الدولارات لسوريين، احتجزتها البنوك اللبنانية ضمن إجراءات العام 2019!

    وإلى جانب مشكلات الودائع المحتجزة، هناك الدَين العام الهائل بأكثر من مائة مليار دولار. وهناك المشكلة السياسية الكبرى في إصرار الحزب المسلَّح على الاستمرار بسلاحه، والتهديد المستمر من جانب إسرائيل. إنها مجموعةٌ من القضايا لا تستطيع مواجهتها حكومةٌ عاديةٌ، والأمل معقود على العرب وعلى حكمة اللبنانيين!