مع تراجع حدة التوترات الأمنية في البحر الأحمر، إثر تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة، بدأت قناة السويس تستعيد تدريجياً حركتها العادية، ولكن ببطء، بعدما سجلت خسائر تزيد عن 7 مليارات دولار من إيراداتها في العام الماضي. وقد أبلغت هيئة القناة، شركة «إيه بي مولر ميرسك» العالمية عن مؤشرات إيجابية لعودة الاستقرار إلى البحر الأحمر، وحثتها على أن تأخذ ذلك في الاعتبار عند وضع الخطط والجداول الملاحية خلال الفترة المقبلة.

ولكن في ظل المخاوف من «عدم اليقين»، وعلى الرغم من إعلان الحوثيين الحد من هجماتهم على السفن، فقد أعلنت الشركة أنها ستواصل تحويل السفن بعيداً عن خليج عدن والبحر الأحمر، وسلوك طريق رأس الرجاء الصالح. ويبدو أن التطورات الجيوسياسية الأخيرة، والتفاؤل بانتعاش إيرادات قناة السويس، وانخفاض علاوة المخاطر المرتبطة بسندات الديون، لعبت دوراً في تحسين الوضع الاقتصادي، مما سمح لمصر أن تعود بقوة إلى الأسواق المالية الدولية، واستطاعت في أواخر يناير الماضي إنجاز أول طرح دولي لسندات بالدولار، منذ 4 سنوات، وجمع ملياري دولار، فيما فاقت طلبات المستثمرين الأجانب العشرة مليارات دولار. وباع البنك المركزي الاثنين الماضي أذون خزانة بقيمة 1.061 مليار دولار. ويعكس هذا التطور الإيجابي قوة ومرونة، وثقة المستثمرين في الإصلاحات الاقتصادية، كما يفتخر بذلك وزير المالية أحمد كجوك، مشيراً إلى أن مصر «تواصل تنويع مصادر تمويلها، ضمن خطة مالية منضبطة، للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاستدامة المالية».

مع العلم أن «الفجوة التمويلية» للسنة المالية الحالية 2024 - 2025، والتي تنتهي في يونيو المقبل، تقدر بنحو 10 مليارات دولار، ما يتطلب تكثيف الجهود لسد هذا العجز. لذلك تواجه مصر تحديات مالية كبيرة، بعدما أصبحت تستدين لدفع أقساط الديون المتوجبة عليها. وتشير إحصاءات رسمية أن الحكومة سددت العام الماضي نحو 39 مليار دولار من الديون والفوائد، لكن حجم الديون لم تهبط سوى 18 مليار دولار فقط، علما أن قيمة الفوائد المسددة بلغت 21 مليار دولار، وهو رقم كبير، يدل على دفع فائدة نحو 12.5 في المئة، وهي مرتفعة، وتأتي في المرتبة الخامسة على مستوى العالم بين الدول التي تمنح أعلى سعر فائدة، وبالتالي تستطيع جذب «أموال ساخنة».

وعلى الرغم من تراجع الديون الخارجية على مصر إلى 152.9 مليار دولار في يونيو 2024، عقب توقيع صفقة «رأس الحكمة»، واستخدام حصيلة هذه الصفقة بكفاءة، مما ساهم في زيادة احتياطي النقد الأجنبي، وتراجع الدين الخارجي بنحو 3 مليارات دولار، إلا أن بيانات وزارة التخطيط المصرية أظهرت ارتفاع هذه الديون في الربع الثالث من العام، بنحو 2.319 مليار دولار، مسجلة 155.2 مليار دولار بنهاية سبتمبر. وتبرز خطورة تلك التحديات المالية، أنه يتعين على مصر (وفق تقرير البنك الدولي) سداد 43.2 مليار دولار، مستحقات ديون خارجية خلال أول 9 أشهر من العام الحالي.

ويحذر أمين سر لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب عبد المنعم إمام من الخطورة الحقيقية على الاقتصاد المصري، والتي ستكون في النصف الأول من العام، حيث ترتفع فاتورة أقساط الديون وفوائدها إلى الضعفين عن مستحق السداد خلال النصف الثاني.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية.