مرحلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحالية تحمل مسارات عديدة من مسائل المناخ والجندرية والهجرة غير الشرعية، وغيرها الكثير من التطلعات والتوقعات الخاصة بإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وإمكانية التعامل مع معضلتين هما: السلام بالشرق الأوسط وضبط العولمة. فالقضية الفلسطينية دائماً ورقة تلعب بها دول وأنظمة إقليمية لمصالحها الخاصة مقابل دول أخرى تدعم مسار السلام وقيام الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل.
وفي الفترة الحالية، من وقف الحرب الممتدة على 467 يوماً، والتي خلفها «طوفان الأقصى»، اتضح مدى قدرة واشنطن وخاصة بقيادة ترامب عبر رجله في الشرق «ستيف ويتكوف» على تقليص وضبط مساحات حلقات الصراع مع كبح الحكومة اليمينية الإسرائيلية، فربما استخدم ترامب لغة التهديد بالدور الأميركي الأمني بالمنطقة، وأيضاً نتنياهو يخشى ترامب لما قد ينتهجه من سياسات شعبوية. ومن أدوات الكبح إذا استمرت حكومة نتنياهو في الحرب، فإن على تل أبيب بناء وعقد اتفاقية أمنية مع واشنطن، والتي ستكون مقيدة لتحركات إسرائيل كما يصفها السياسيون. وعلى الرغم من أن وقف الحرب مرهون بالتزام طرفي الحرب «حماس» كميليشيا والحكومة اليمينية الإسرائيلية بإنجاح جميع المراحل المتتالية في الاتفاق من إطلاق الرهائن والأسرى بين الجانبين، ووقف القتال والانسحاب، وتدفق ودخول المساعدات الإنسانية والأساسية إلى غزة، إلا أن فكرة ترامب ترحيل جزء كبير من سكان غزة إلى دول أخرى كمصر والأردن، يحمل غموضاً في إمكانية إرجاعهم بعد مراحل التعمير المفترضة، ويهدد فرص السلام، وهي فكرة قوبلت بالرفض المصري والأردني. ولنكن واقعيين، «حماس» لن تستمر كميليشيا أبداً لأسباب عدة، سيضمحل الممول المادي والجغرافي والسياسي للميليشيات في الشرق الأوسط عموماً، كما فقدت الحركة جزءاً كبيراً من شرعيتها لدى الغزيين بسبب حجم الدمار والقتلى والجرحى والنازحين جراء اتخاذ قرار الحرب مع إسرائيل، علاوة على أن إعادة إعمار غزة ستكون طويلة ومشروطة بتحول «حماس» إلى طرف سياسي. ومن المساعي الترامبية توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية.
وعن ضبط العولمة كمعضلة يتعامل معها ترامب، فيبدو أن الغرب بدأ يتراجع عن مسارات العولمة والاعتماد المتبادل، خاصة عندما ازدادت تكلفة الإنتاج وارتفعت الأسعار وظهرت أسواق بديلة للسلع والمنتجات، بدأت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية تتخذ سياسات حمائية، أو تتخلى عن إنتاج بعض السلع التي كانت في السابق مصدر تميزها، وضمن هذا الإطار تأتي صناعة الأدوية في ألمانيا، كنموذج على مآلات العولمة في بعض دول الغرب.
فبعدما كان يُطلق عليها «صيدلية العالم»، أصبحت ألمانيا ومنذ سنوات تعاني نقصاً شديداً في الأدوية، مثل المضادات الحيوية وخافضات الحرارة وأدوية الأطفال وغيرها كالمحاليل الملحية، وهذه المعضلة سببها أطر العولمة وما تتيحهُ من تقسيم خطوات الإنتاج وحرية الاستثمار، وتحقيق الأرباح عبر العمالة الرخيصة والتوزيع ووجود شروط بيئية أقل صرامة من الأوروبية؛ لذا أصبحت العديد من المصانع الألمانية تنتج أدويتها في الصين والهند، الأمر الذي سبب نقصاً في الوظائف والحاجة لاستيراد منتجات أقل سعراً.
وبعدما اتجه بعض الصناعات إلى مناطق بعيدة عن الغرب، تتجه إدارة ترامب إلى ضبط العولمة خدمة لمصالحها بحيث يتم زيادة الصادرات الأميركية إلى الخارج وعودة الصناعات والشركات والوظائف إلى الداخل الأميركي، بمعنى أدق هناك حاجة ضرورية إلى ضبط العولمة بين الدولة القومية ومصالحها وبين أهمية الاعتماد المتبادل بين الدول والأمم والشركات والصناعات.
*كاتب ومحلل سياسي