سعى الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب إلى إثبات حضوره وإظهار قدرته على التأثير في السياسة الخارجية لبلاده منذ إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية في 8 نوفمبر الماضي، وقبل تنصيبه رسمياً في 20 يناير الجاري. استثمر ترامب جيداً فترةَ انتقال السلطة للتحرك من أجل التوصل إلى اتفاق أو صفقة بشأن حرب غزة كما وعد مراتٍ خلال حملته الانتخابية. كما شرع في توجيه رسائل مباشرة إلى طرفي الحرب في أوكرانيا، تمهيداً لتحرك يهدف إلى وقفها، ويُتوقع أن يكون ضمن أولويات إدارته.
ولكنه أعطى، خلال فترة الانتقال، اهتماماً خاصاً لحرب غزة ربما لأنه يريد استئناف مشروعه للسلام في الشرق الأوسط، والبناء على التقدم الذي نجح في تحقيقه خلال ولايته الأولى، وبالتالي اعتبار هذه الحرب «وقتاً مُستقطعاً» حسب التعبير المستخدم في بعض الألعاب الرياضية.
ولهذا ظهرت مؤشراتُ إلى تنافسٍ بين فريق القادم الجديد إلى البيت الأبيض، والراحل منه. فقد أراد ترامب إظهارَ أنه يستطيع في أسابيع إنجاز ما لم تحققه إدارة بايدن في شهور، ومن ثم توجيه رسالة إلى دول المنطقة، وغيرها بالطبع، مفادها أنه يقدر على ما لا يمكن لغيره أن يقوم به.
وربما لهذا السبب حاول وزير الخارجية الأميركي السابق أنتوني بلينكن أن ينسب إلى جهود إدارة بايدن الفضلَ الكاملَ في نجاح مفاوضات تبادل الأسرى ووقف العمليات القتالية في قطاع غزة، وذلك خلال خطابه «الوداعي» في 14 يناير أمام معهد المجلس الأطلسي، والذي بدا أنه بمثابة كشف حساب الإدارة الراحلة في مجال السياسة الخارجية.
قال بلينكن، إن الاتفاق يُتوج عملاً استمر لشهور طويلة، وإن صيغته هي نفسها التي طرحها الرئيس بايدن في مايو 2024 واتفق الطرفان على كثير من جوانبها، لكن حركة «حماس» عطّلته في النهاية حسب ادعائه. والصحيح في كلامه أن صيغة اتفاق يناير 2025 مبنية على ما طرحه بايدن، بل تُعد امتداداً له. ومن الطبيعي في مفاوضات صعبة ومعقدة أن يحدث تراكم مع الوقت، فلا يبدأ الوسيط أو الوسطاء من نقطة الصفر في كل مرة.
لكن السؤال المهم هو: لماذا لم يحدث هذا التقدم الكبير في المفاوضات في مايو أو يونيو، وتأخر إلى أوائل يناير؟ الجواب نجده في الديناميكية التي طرأت على المفاوضات بعد الانتخابات الرئاسية، والدور المباشر الذي قام به مبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف. فقد لوحظ على سبيل المثال أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمر رئيسي جهازي «الموساد» و«الشاباك» بالتوجه لإكمال المفاوضات فور انتهاء لقائه مع ويتكوف في 10 يناير.
وتفيد الخبرات والتجارب السابقة أنه لا يمكن لإدارة أميركية تستعد للرحيل أن تخلق مثل هذه الديناميكية التي نقلت المفاوضات إلى نقطة متقدمة. فالجميع يهتمون بالإدارة القادمة وليس بمن يلملمون أوراقهم، ولكن الإنصاف يوجب أن نذكر أيضاً دور إدارة بايدن ومحاولاتها المتكررة لإنهاء الحرب لشهور عدة.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية