في العشرين من شهر يناير القادم سيبدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب فترة رئاسته الثانية والأخيرة في البيت الأبيض، ومن المثير للانتباه أن الحملة الانتخابية لترامب قامت على دعم قوي من الأثرياء، وفي مقدمتهم أغنى إنسان على الأرض حالياً (إيلون ماسك) الذي دعم حملة ترامب الانتخابية أواخر أيامها بمليون دولار يومياً.
إضافة إلى ذلك، امتنعت صحيفة «واشنطن بوست» عن التصريح بتأييد أي من المرشحين وقتها، «الجمهوري» دونالد ترامب و«الديموقراطية» كامالا هاريس، الأمر الذي فسره العديد من المراقبين بتأييد ضمني من مالك الصحيفة الملياردير جيف بيزوس لدونالد ترامب.
وبالفعل كانت توقعات المحللين صحيحة، إذ بادر ترامب فور فوزه بالإعلان عن ترشيح من قاموا بدعمه من الأثرياء والإعلاميين الذين دانوا له بالولاء في مواقع حكومية بارزة. 

وبنظرة سريعة على تلك الترشيحات الحكومية نجدها مُقسمة إلى 3 فئات رئيسة:
الفئة الأولى، تضم السياسيين الذين دعموه بقوة أثناء فترة رئاسته الأولى، واستمروا بدعمه بعد خسارته الانتخابات أمام الرئيس «الديموقراطي» جون بايدن. وأبرزهم مرشحو وزارة الخارجية ماركو روبيو. المدعي العام الفيدرالي بام بوندي، ومستشار الأمن القومي مايكل والتز.
والفئة الثانية تضم الإعلاميين الذين دعموا ترامب على شبكة قنوات «فوكس»، وأبرزهم وزير المواصلات: شين ديفي، والطبيب الجراح العام الفيدرالي دكتورة جانيت نيشيوات.
أما الفئة الثالثة الأهم، فهي فئة الأثرياء أو المليارديرات، وفي مقدمتهم إيلون ماسك، وفيفيك راماسوامي اللذان سيتوليان وزارة الكفاءة الحكومية، بجانب الرئيس التنفيذي لأحد أكبر صناديق التحوط المالية الأميركية سكوت بيسينت وزيراً للخزانة، والرئيس التنفيذي لشركة ليبرتي للطاقة كريس وايت وزيراً للطاقة، وليندا مكماهون وزيرة للتعليم، وقطب العملات المشفرة «بيتكوين» دافيد ساكس ليكون «قيصر البيت الأبيض للذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة.
والفئة الثالثة محور حديثنا هذا، هي فئة الأثرياء الذين برز تأثيرهم الواضح على الكونجرس الأميركي حتى قبل تولي ترامب دفة البيت الأبيض رسمياً.
والمقصود هنا ما فعله ماسك عندما قام بنشر ما يزيد على 150 تغريدة كان لها التأثير الأبرز على فشل تصويت مجلس النواب على قرار متوافق عليه بين الحزبين يمنع إغلاق الحكومة، وتم إعادة صياغة القرار بما يرضي ماسك حسب بعض المحللين. هذا الوضع هو ما يطلق عليه في علم السياسة بحُكم «الأوليغاركية».
والأوليغاركية كمصطلح تم استخدامه للمرة الأولى من قبل الفيلسوف اليوناني أرسطو، وهو يعني حكم القلة، وخاصة السلطة التي تمارسها مجموعة صغيرة، ويكون أعضاء المجموعة الحاكمة أثرياء، أو يمارسون سلطتهم من خلال ثرواتهم، وهو ما  قد يحدث  في الحكومة الأميركية الجديدة.
فتلك الحكومة تضم سياسيين موالين لترامب لتجنب ما حدث أثناء فترة رئاسته الأولى، بجانب إعلاميين يتابعهم الملايين من الشعب الأميركي، ثم طبقة المليارديرات.
فهل نشهد بالفعل نقلة جذرية في الحكم الأميركي المصبوغ بالديموقراطية منذ التأسيس؟.
الأمر الذي يُنذر بانقسام داخلي وتعارض بين أصحاب المصالح في الحكومة، وانعكاس ذلك كله على مجلسي النواب والشيوخ بصفة خاصة، والشعب الأميركي بصفة عامة.
*باحث إماراتي