لم يتم تنصيب دونالد ترامب رسمياً بعد، ولن يسكن البيت الأبيض إلا بعد تنصيبه المقرر في 20 يناير المقبل، غير أن انتخابه أحدث منذ الآن عدة تأثيرات جيوسياسية. التأثير الأول يتعلق بالقضية التي كان أدلى بأكبر عدد من التصريحات حولها: أوكرانيا. ففولوديمير زيلينسكي يبدو مضطراً الآن لقبول ما كان يعتبره غير مقبول في السابق، أي الاعتراف بخسارة بعض الأراضي (حتى وإن وصفت بالمؤقتة، وهو أمر لا ينطلي على أحد) والانخراط في مفاوضات مع فلاديمير بوتين.

والتأثير الثاني يتعلق بالشرق الأوسط. فانتخاب دونالد ترامب خلق عدداً من الشكوك والأسئلة، ولا سيما بخصوص إيران. فهل ستقدم إسرائيل على قصف إيران قبل وصول دونالد ترامب إلى السلطة من أجل تدمير قدراتها النووية، وهي القضية الوحيدة التي عارض فيها جو بايدن نتنياهو حقاً؟ أم أن دونالد ترامب يطمح إلى تنسيق مع إسرائيل بشأن توجيه ضربات إلى إيران حينما يصل إلى السلطة؟

الواقع أن الشك يظل قائماً. أما التأثير الثالث، فيتعلق بالأوروبيين الذين يخشون أن يتم التخلي عنهم، وبالتالي سيضاعفون جهودهم على الأرجح. وفي هذا الإطار، طلب الأمين العام الجديد لحلف «الناتو» مارك روته من الدول الأوروبية زيادة إنفاقها العسكري من 2 إلى 3 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي، حتى وإن كان ذلك يعني خفض إنفاقها الاجتماعي. فهل ستستجيب الدول الأوروبية لدعوته؟ يبدو أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى اضطرابات سياسية واجتماعية في أوروبا. في الآونة الأخيرة، هاجم دونالد ترامب دول البريكس داعياً أعضاء النادي إلى الإحجام عن مهاجمة الدولار أو إنشاء عملة مشتركة، وإلا فإنه سيرفع رسوم الاستيراد على منتجات بلدان البريكس إلى 100 في المئة. بل إنه طالب هذه الدول بالالتزام بالامتناع عن إنشاء عملة مشتركة جديدة أو دعم عملات بديلة للدولار.

والحال أن بلدان البريكس لم يكن لديها أبداً هدف إنشاء عملة مشتركة. ذلك أن الأمر معقد للغاية، واختلافاتها الاقتصادية والسياسية أكبر من أن تسمح لها بالاتفاق على أمور من قبيل أسعار الصرف أو قابلية التحويل. أما ما هو صحيح، فهو أنها تسعى جميعاً إلى إيجاد بديل للدولار في مبادلاتها التجارية الدولية. والواقع أن طريقة دونالد ترامب في مخاطبة هذه الدول ومطالبتها بوقف ما تقوم به من غير المرجح أن تنجح.

وإذا كان نفوذ دونالد ترامب على الأوروبيين ما زال قوياً جداً، والدول الأوروبية تتفاعل مع ما يطلبه تجنباً لخلاف مع رئيس الولايات المتحدة، ولا سيما أنها تعتبر أنها ما زالت في حاجة إلى حمايته، فإنه من غير المؤكد أن مهاجمة دول البريكس ككتلة واحدة، أي 9 أو 10 دول - ستمكّنه من تحقيق أهدافه. وفي هذا السياق، دق خبراء اقتصاديون أميركيون ناقوس الخطر محذرين من أنه إذا تعامل دونالد ترامب بطريقة فظة جداً مع دول البريكس، فإن ذلك قد يكون له تأثير عكسي، أي دفعهم لتعزيز تعاونهم والتعجيل باستبدال الدولار.

والحقيقة أن 60 في المئة من احتياطيات النقد الأجنبي في العالم حالياً هي بالدولار، والقليل منها جداً بالعملة الصينية اليوان، غير أن ترامب يمكن أن يعرّض دور الدولار كعملة دولية للخطر في حال تعامل بفظاظة مع دول البريكس. وبالطبع، هناك اختلافات بين هذه الدول، والبريكس تظل مجموعة غير متجانسة، وبعض دول البريكس تعتزم الحفاظ على علاقات جيدة مع واشنطن، في حين أن طهران وموسكو تخلتا عن ذلك بوضوح. غير أن الطريقة التي يتّبعها دونالد ترامب في التعامل مع هذه البلدان، اعتقاداً منه بأن العالم ما زال أحادي القطبية وأن كل ما عليه فعله كرئيس أميركي، من أجل حمل هذه الدول على الانصياع لأجندته، هو إظهار الغضب أو استخدام لهجة تهديدية، قد تؤدي إلى نتائج عكسية تماماً.

ولا شك أن الأشهر القادمة ستكون مثيرة للاهتمام من هذه الناحية. فهل سينجح دونالد ترامب في دفع هذه الدول إلى التخلي عن إرادتها المشتركة، أم أنه جاء لتحفيزها؟ الواقع أن تأثيراً مزدوجاً يرتسم في الأفق: فدونالد ترامب قد يعزز سلطة الولايات المتحدة والزعامة الأميركية على الدول الغربية، خاصة الدول الأوروبية، غير أنه من غير المؤكد أن يحقق النجاح نفسه فيما يتعلق ببلدان «الجنوب العالمي» أو دول «بريكس+»، التي قد تشعر، على العكس من ذلك، بأن من مصلحتها تعزيز تعاونها وتنحية خلافاتها وتبايناتها جانباً، من أجل هدف مشترك هو التحرر من الهيمنة الأميركية.

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس.