تربط بين الهند ودولة الإمارات العربية المتحدة شراكةٌ وثيقةٌ، وهذا ليس أمراً مفاجئاً، كما أن هناك سعياً دائماً لتوسيع هذه العلاقة حتى لا تظل مقتصرة على مجالات التعاون التقليدية فقط، وهو ما يُعد مؤشراً على نضج العلاقات التي تربطهما. 
وفي مؤشر على مدى تنوع هذه العلاقة، وقّع البلدان اتفاقية بشأن تعزيز التعاون في مجال الأبحاث المتعلقة بالقطبين والمحيطات خلال الزيارة التي قام بها سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، إلى الهند الأسبوع الماضي والتي دامت يومين. وتعني الشراكة في هذا المجال أن البلدين سيتعاونان في مجال الأبحاث المتعلقة بالقطبين والمحيطات، والتعاون الأكاديمي، وبناء القدرات، ودعم كل منهما لوجود الآخر في القطبين. وقد تم توقيع الاتفاقية من قبل اللجنة التوجيهية لبعثة الإمارات القطبية، والمركز الوطني للأبحاث القطبية والمحيطات في الهند. وتسعى البعثات العلمية للبحث عن إجابات تتعلق بتغير المناخ، بما في ذلك الاحترار الأرضي ودراسة الملوثات التي تصل إلى القطب الشمالي. غير أن القطبين يُعدان أيضاً محل تنافس بين القوى العظمى ولاسيما الولايات المتحدة وروسيا والصين وبعض الدول الأوروبية، وذلك على اعتبار أن التغير في المناخ أدى إلى ذوبان الجليد وفتح المنطقة أمام مزيد من الاكتشافات بما في ذلك النفط والغاز.
ولذا، يعتبر هذا المجال واحداً من أهم مجالات التعاون بين الهند والإمارات، كما أنه مؤشر على الأجندة الاستشرافية للبلدين. وعلى سبيل المثال، يولي البلدان الأولوية لتعزيز التعاون الثنائي في مجال الفضاء الذي يُعد مجالاً آخر من مجالات التعاون المستقبلي، مما يدل على أن كلا البلدين يفكران بطريقة مبتكرة فيما يتعلق بالتعاون الثنائي. ومما لا شك فيه أن هذا التعاون سيعود بالفائدة على كلا البلدين. وفي هذا الإطار، شدد وزير الخارجية الهندي الدكتور جايشانكار، خلال زيارة سمو الشيخ عبد الله بن زايد، على أن البلدين لديهما مصلحة مشتركة في الحفاظ على استقرار المنطقة وأمنهما وازدهارها. والواقع أن هذا يسهم في تعزيز العلاقات بين البلدين على اعتبار أن الهند ترغب أيضاً في تعزيز التعاون في مجال الدفاع والأمن. وقد أشار الوزير الهندي إلى أن تعزيز التعاون سيعزز الاستقرار في كلا المنطقتين، واصفاً الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين بأنها «علاقة نموذجية».
وكان سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان زار الهند من أجل ترؤس اجتماعات اللجنة الهندية الإماراتية المشتركة الخامسة عشرة والحوار الاستراتيجي الإماراتي الهندي الرابع. وبموجب هاتين الآليتين، يناقش البلدان كل القضايا في علاقتهما الثنائية. وخلال مباحثاتهما، اتفق الجانبان على تعميق الشراكة في عدد من المجالات، بما في ذلك الدفاع، والتكنولوجيات الجديدة، والطاقة النووية، والأبحاث القطبية، والمعادن الحيوية، والطاقة المتجددة. واستعرض الجانبان حصيلة التعاون في مجال التعليم، وخاصة فرع «المعهد الهندي للتكنولوجيا» في أبوظبي. وبعد النجاح الذي حققه هذا الفرع، هناك الآن خطط لإنشاء فروع خارجية لـ«المعهد الهندي للإدارة» و«المعهد الهندي للتجارة الخارجية» في دبي.
ومن بين المجالات الأخرى التي تمت مناقشتها أيضاً الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، والذي يهدف إلى تعزيز الربط البحري والتجارة بين الهند والإمارات العربية المتحدة وأوروبا. غير أن مخطط إنشائه الذي تم الإعلان عنه خلال رئاسة الهند لمجموعة العشرين ما زال في مرحلة أولية. 
وتظل العلاقات بين الهند والإمارات نموذجاً للاستقرار، إذ ما فتئ البلدان يعملان على تعزيز علاقاتهما في هدوء وسط التقاء المصالح. وفي هذا السياق، ظلت العلاقات التجارية تزداد متانة وسط دفء العلاقات السياسية، إذ توجد رغبة لدى الجانبين في تعميق الشراكة في بيئة جيوسياسية غير مستقرة. وتُظهر نظرة على العلاقات التجارية كيف أن الشراكة آخذة في النمو. وكانت الهند والإمارات قد وقّعتا اتفاقيةَ «الشراكة الاستراتيجية الشاملة» في عام 2017، وهو ما رفع حجم التبادل التجاري بينهما من 180 مليون دولار سنوياً في سبعينيات القرن الماضي إلى 83.65 مليار دولار في السنة المالية 2023-2024.
وتُعد الإمارات ثالثَ أكبر شريك تجاري للهند وثاني أكبر وجهة تصدير للهند، إذ ارتفعت صادراتها إليها إلى أكثر من 35.62 مليار دولار في السنة المالية 2023-2024. وبالمثل، تُعد الهند ثاني أكبر شريك تجاري للإمارات، إذ بلغت صادراتها إليها أكثر من 48 مليار دولار في السنة المالية 2023-2024.
على أن هذه المبادلات التجارية المتنامية لا تقتصر على النفط فقط، بل تشمل سلة تجارية واسعة تتضمن كل شيء، من المنتجات البترولية والمواد الكيماوية إلى الأحجار الكريمة والمجوهرات والمواد الغذائية والمنسوجات والمنتجات الهندسية. والآن يعمل البلدان على استكشاف مجالات جديدة للتعاون تتجاوز مجالات التعاون التقليدية. ولا شك في أنه في هذه الأوقات الجيوسياسية التي تتميز بعدم اليقين، تظل الشراكة بين الهند والإمارات متجذرة بقوة وتتحرك بسرعة في الاتجاه الصحيح بما يصب في مصلحة البلدين. 

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي