في مشاهد درامية داخل الجمعية الوطنية الفرنسية، الأربعاء الماضي، خسرت الحكومة بقيادة رئيس الوزراء ميشيل بارنييه تصويتاً بحجب الثقة، مما أدى فعلياً إلى الإطاحة بها. ولم تشهد فرنسا سقوط حكومة بهذه الطريقة منذ عام 1962.
وحدث ذلك في ختام أيام مضطربة في السياسة الفرنسية. في عطلة نهاية الأسبوع، ظهرت بوادر على أن ميزانية الحكومة، التي تضمنت حوالي 60 مليار دولار من زيادات الضرائب وتقليص الإنفاق، لن يتم تمريرها في البرلمان. ورغم تقديم بارنييه، الذي كانت إدارته تستند إلى أصوات من أحزاب أخرى، تنازلات عديدة للجبهة الوطنية اليمينية المتشددة بقيادة مارين لوبان، فإن ذلك لم يكن كافياً.
شملت التنازلات إلغاء زيادة ضريبية على فواتير الكهرباء، وخفض المساعدات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين، وتعزيز الالتزام بتمرير قانون هجرة أكثر تقييداً. ويوم الاثنين، قدمت الحكومة تنازلاً أخيراً بإلغاء زيادة على مساهمات المرضى في الوصفات الطبية.
 لكن هذه التنازلات لم تكن كافية. وعندما أصبح من الواضح أن بارنييه لن يحصل على الأصوات اللازمة لتمرير مشروع قانون الميزانية، اختار تمريره دون تصويت، مما فتح المجال أمام تصويت بحجب الثقة. وسرعان ما أكدت لوبان أنها ستصوت ضد الحكومة، جنباً إلى جنب مع تحالف الأحزاب اليسارية المعروف باسم «الجبهة الشعبية الجديدة». وكانت النتيجة محسومة، فلم تعد الحكومة قائمة بعد ثلاثة أشهر فقط على تشكيلها.
لا أحد يعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك. والمؤكد هو قوة ونفوذ اليمين المتشدد في فرنسا اليوم. فطموحاته وتطلعاته تهيمن على البلاد، والآن أظهر أنه قادر على إسقاط الحكومة. وفرنسا تعيش أزمة بلا أفق واضح.
هذه الأزمة كانت متوقعة، فمنذ قرار الرئيس إيمانويل ماكرون الدعوة إلى انتخابات مبكرة في الصيف، والتي لم تحصل فيها أي مجموعة سياسية على الأغلبية، ظلت الأوضاع غير مستقرة. في البداية، ومع انقسام البرلمان إلى ثلاث كتل شبه متساوية، لعب ماكرون على عامل الوقت. وطالبت الجبهة الشعبية الجديدة، التي حصلت على أكبر عدد من المقاعد، ولكنها كانت بعيدة عن الأغلبية، باختيار مرشح من صفوفها لتولي منصب رئيس الوزراء. وبدلاً من ذلك، اتجه ماكرون نحو اليمين، إلى ميشيل بارنييه، السياسي المحافظ ذي التاريخ الطويل. وفي سبتمبر، تم الإعلان عن تعيينه رئيساً للوزراء.
منذ البداية، كانت إدارة بارنييه تعتمد على دعم الجبهة الوطنية، التي حصلت على أكبر عدد من الأصوات في الصيف، وقد استمتع حزب لوبان بذلك. وقال جوردان بارديلا، مرشح الحزب لرئاسة الوزراء، إن بارنييه سيكون «تحت المراقبة». وخلف الكواليس، كان البعض في اليمين المتشدد متفائلين بتعيين بارنييه. وأشاروا إلى وعوده في الانتخابات التمهيدية الرئاسية لعام 2021 للجمهوريين، بما في ذلك وقف الهجرة لمدة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات، كدليل على توافقه الأيديولوجي. وكان اختياره لوزير داخلية متشدد بمثابة دعم إضافي.
وفي الواقع، عملت الجبهة الوطنية مع الحكومة أكثر لتعطيل التشريعات بدلاً من دفعها. صوتوا معاً لإسقاط ميزانية تم تعديلها بشكل كبير من قبل اليسار وشملت عشرات مليارات الدولارات من الضرائب على الأثرياء. لكن العلاقة لم تكن مثالية. 
وقد أدت الميزانية إلى تصاعد التوترات. وأرادت الجبهة الوطنية تغييرات أكثر مما كان بارنييه مستعداً لتقديمه، بما في ذلك تقليص مساهمة فرنسا في ميزانية الاتحاد الأوروبي ومجموعة من تخفيضات الإنفاق. لكن هناك سبب آخر محتمل لقرار الحزب إسقاط حكومته الآن. في مارس، قد تواجه لوبان حظراً من الحياة السياسية لمدة خمس سنوات، نتيجة قضية تتعلق باتهامات باستخدام أموال الاتحاد الأوروبي لدفع رواتب موظفي الجبهة الوطنية. وهذا يعني أنها ستكون غير مؤهلة للترشح للرئاسة في الانتخابات الوطنية لعام 2027. لكن من خلال إسقاط الحكومة، قد تأمل إجبار ماكرون على الاستقالة، مما يفتح المجال لإجراء انتخابات رئاسية يمكنها الترشح فيها. وفي يونيو، وعد ماكرون بأنه سيبقى في منصبه حتى نهاية ولايته. 
 ومع ذلك، فإن خيارات ماكرون محدودة، إذ يحظر عليه الدستور إجراء انتخابات برلمانية أخرى حتى الصيف المقبل. ويمكنه محاولة تشكيل حكومة جديدة، على الرغم من أن اليسار واليمين يتعهدان الآن برفض أي مرشح لمنصب رئيس الوزراء لا ينتمي إلى صفوفهما. وبدلاً من ذلك، يمكن لحكومة تصريف أعمال أن تستمر بشكل متقطع حتى الصيف، مع تنفيذ الحد الأدنى من وظائف الدولة. وبالنسبة لفرنسا، التي تواجه مشاكل مالية خطيرة ولا تبعد كثيراً عن الاضطرابات الاجتماعية، فإن غياب حكومة فعالة قد يكون كارثياً.
أما بالنسبة للوبان وحلفائها، فمن الواضح أنهم لم يعودوا راضين فقط عن دفع الحياة السياسية الفرنسية إلى اليمين: فهم الآن يريدون السلطة، وقد لا يمر وقت طويل قبل أن يحصلوا عليها.


ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

مارلون إيتنجر*
*صحفي مقيم في باريس