في الثلاثين من نوفمبر من كل عام، تحتفي دولة الإمارات العربية المتحدة بيوم الشهيد، وهي مناسبة وطنية رسمية، وتقليد مستمر درجت الدولة بقيادتها ومواطنيها والمقيمين فيها على الاحتفاء به، إحياءً لذكرى شهداء الوطن الأبرار، الذين سقطوا في ساحات المعارك التي خاضوها دفاعاً عن تراب الوطن وسيادته ومصالحه الوطنية العليا، راوين بذلك ترابه الغالي بدمائهم الزكية، أو في ساحات الواجب الأخرى، دفاعاً عن شرف هذه الأمة وأمجادها وكرامتها. ويأتي الاحتفاء بيوم الشهيد تنفيذاً لأوامر سامية صدرت عن المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، وأسكنه فسيح جناته، حيث أعلن يوم 30 نوفمبر يوماً للشهيد تخليداً ووفاءً وعرفاناً بتضحيات شهداء الوطن الأبرار. وكانت الأوامر قد صدرت في 19 من أغسطس 2015 باعتبار هذا اليوم مناسبة وطنية رسمية.
وفي عصر الإمارات الحديث سقط أوائل شهداء هذا الوطن قبل ولوج فجر الدولة الاتحادية بأيام قليلة في 30 نوفمبر 1971 دفاعاً عن جزيرة طنب الكبرى، التي احتلتها إيران مع أختيها أبو موسى وطنب الصغرى، مسطرين بذلك شرفاً رفيعاً لوطنهم وذكرى مجيدة، ستظل راسخة في قلوب وعقول ووجدان أبناء الإمارات البررة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
شهداء دولة الإمارات الذين نستذكر ذكرى استشهادهم في يوم الشهيد ضحوا بأنفسهم دفاعاً عن قضايا وطنهم وأمتهم، وهم جزء مهم من التضحيات الجسيمة التي تقدمها دولة الإمارات في سياق متصل منذ نشأتها عام 1971 وضمن ممارستها لأدوارها الطليعية في خدمة قضايا الأمة على الصعيد الخارجي، سواء على مستوى الخليج العربي أو العالم العربي أو على الصعيد العالمي.
إن أسمى ما تقدمه الإمارات من تضحيات، هي تلك التي تتجسد في دماء أبنائها الذين استشهد منهم عدد لا يستهان به، وهم يزودون عن معاني الحق والعدالة والخير والشرعية. تضحيات دولة الإمارات في نصرة القضايا العادلة وحقوق الشعوب المظلومة دائماً ما تصاحبها أنواع من الدعم اللا محدود على الصعد الأخرى كالمساعدات الاقتصادية والمالية والتنموية والإنسانية والدعم الإغاثي واللوجيستي في حالات الكوارث الطبيعية والنكبات وويلات الحروب، بالإضافة إلى المواقف السياسية الصلبة وراء كل ما هو عادل ومنصف من قضايا الشعوب المظلومة والمغلوب على أمرها تجسيداً للحق والعدالة في العديد من الحالات التي صادفت فيها مواقف تتطلب التعامل معها بحكمة لكي تمارس ما لديها من قوة ناعمة ونفوذ بكل طيبة خاطر وسماحة يمليها عليها حسها الإنساني ومصالحها الوطنية العليا في خدمة الإنسانية وتحقيق السلام والأمن الإقليمي والعالمي.
وتمارس دولة الإمارات أدوارها بكل صبر وأناة وسماحة نفس وتفانٍ وسخاء منقطع النظير. وربما أنه لا جديد بالقول بأن هذه التضحيات، خاصة بدماء فلذات الأكباد وتقديمهم شهداء للواجبات الوطنية والإنسانية، لا يمكن أن تخرج سوى من لدن الأمم النبيلة ذات القيادات السامية من النبلاء، الذين يدركون ويقدرون معنى التضحية، وكيف ومتى، وفي أي ساحات الشرف تقدم ويذهب نتيجة لها دماء الشهداء البررة نصرة لقضايا الحق العادلة. وهي جميعها معانٍ إنسانية سامية، التعامل معها قضية لا تحتاج إلى تردد أو تخاذل أو خوف أو وجل، ولا يُقدم عليها ويستجيب لها سوى الشرفاء في القادة والشعوب وتمارسها وتؤديها دولة الإمارات ضمن وسائل ومصادر ومناحي القوة الناعمة التي تحوزها وبرقي منقطع النظير ورغبة صادقة ومؤكدة لا تنتظر من ورائها جزاءً ولا شكورا سوى خدمة الإنسانية ومرضاة الخالق.
رحم الله جميع شهدائنا الذين قضوا في سبيل الله خدمة لوطنهم وللبشرية، داعين المولى عز وجل أن يسكنهم في جنات الخلد مع الأنبياء والصديقين، وأن يعوض الله الوطن فيهم خيراً، ويلهم ذويهم وآلهم الصبر والسلوان.
*كاتب إماراتي