الفكرة في ذاتها معجزة، والتطبيق أصعب بعد طرحها.. لكن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ورفيق دربه المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، طرحا الفكرة وتغلبا على كل الصعاب والتحديات. 
هذا هو العام الثالث والخمسون لعمر الاتحاد، وقد جسّد واحدةً من أنجح تجارب بناء الدول وأكثرها إلهاماً في العالم.
لقد طرح الشيخ زايد في أول قمة لمجلس التعاون الخليجي في أبوظبي، توسيع فكرة الاتحاد، وفي كلمته الافتتاحية طلب من القادة الحذو حذوَ اتحاد الإمارات في إقامة اتحاد أوسع ضماناً لمستقبل الأجيال القادمة، وقال: «إن لم نتحد اليوم فلن نتحد غداً». كان يرى بعين بصيرته الثاقبة، وقد ثبت بالفعل أن الاتحاد هو المصير وليس الأمر فيه على التخيير.
وها قد مضى على ذلك «الغد» أكثر من أربعة عقود، إذ ما زالت شعوب المنطقة تأمل في رؤية ساعة الصفر لقيام الاتحاد الخليجي.
الاتحاد الميمون لدولة الإمارات قادها إلى ذرى النجاحات في مختلف المجالات، وبالأخص ما يتعلق بعلوم المستقبل، من الأرض إلى الفضاء.
خلال العقود الماضية من تاريخ اتحاد الإمارات، تلاشت اتحادات دول وتمزقت وحدتها، وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي ثم الاتحاد اليوغسلافي، كما تفككت دول عديدة، وفشلت جهود الاتحاد الأوروبي في الانضواء تحت راية «الولايات الأوروبية المتحدة»، بل خسر الاتحادُ بريطانيا التي خرجت منه في خطوة فاجأت العالم في حينه. وفي العالم العربي انحلت عرى الوحدة اليمنية بسبب الحرب الأهلية، كما أصبح السودان سودانين.
كان الشيخ زايد يدرك الفرق بين الفرقة والوحدة، وكانت أمام ناظريه في ذلك الوقت تجارب وحدوية في سويسرا وكندا وأميركا والمكسيك، ترجّح كفةَ الاتحاد على البقاء آحاداً معرضةً للتكسر.
وبفضل قوة الاتحاد انضوت كل القبائل تحت مظلة الدولة، وهي خطوة تعد بمثابة انتصار للوحدة على الفرقة.
بعد أربع سنوات من عمر الدولة الاتحادية الفتية، وفي 11/ 10/ 1975، عقد الشيخ زايد مؤتمراً صحفياً حدد فيه سياج هذا الاتحاد وحائط حمايته، حيث قال: «أبناء دولة الإمارات رجال نرحب بالاستماع إلى رأيهم، ونسعى إليهم دائماً، ونحملهم المسؤولية الصغيرة والكبيرة، لأننا كلنا جنود لهذا الوطن، والذي لا يعد نفسه جندياً لأجل الوطن ليس منا». إن المواطن هو متراس الوطن، وخط الدفاع الأول عن حياضه، والمواطنون هم الجيش الوطني الأكبر بعد القوات المسلحة، وعندما تحتاج الدولة إلى أبنائها تجدهم جميعاً على هيئة صف واحد، في الخندق ذاته مع المغاوير من الجنود الأشاوس.
منذ ذلك اليوم المشهود من أيام التاريخ، أصبح الاتحاد، بقوته الروحية والمادية، درعاً واقياً وحصناً حصيناً. وللاقتراب به إلى الألفية الرابعة عبر خطة الدولة «مئوية الإمارات 2071»، والتي تم الإعلان عنها وتدشينها في عام 2017، أصبح المستقبل المشرق حاضراً معاشاً.
المستقبل يقوده قادة مسلحون بالوعي الصحيح وبالقدرة على وضع السياسات وصنع الإنجازات، وهذا ما يميز كل المبادرات الإماراتية، المحلية والاتحادية، ويربطها بالبعد الحضاري العالمي.
والسياج المتين للحفاظ على هذه النجاحات والإنجازات، هو الولاء الصادق الراسخ الذي لا يتزعزع. 

*كاتب إماراتي