تتجول «لا نيجرا»، أنثى جاكوار (اليجور)، وتصدر أصوات الهسهسة داخل قفصها في مرصد بيئي ناءٍ وسط أدغال جنوب غرب كولومبيا الخصبة. تعتبر الجاكوار، وهي قطط قوية موطنها الأميركتين، ملوك الأدغال. لكن «لا نيجرا» نشأت في قفص، ومن المحتمل أن تموت فيه أيضاً.
ولدت «لا نيجرا» على الأرجح في الأسر، أو تم أسرها على يد مهربين في سن مبكرة جداً، وتم نقلها إلى المركز بواسطة الشرطة البيئية الكولومبية عام 2015 عندما كانت صغيرة. أصبحت مألوفة للغاية مع وجود البشر، وهو السبب الذي يجعلها غير مؤهلة لإطلاق سراحها في البرية.
ولكن مثل هذه الحالات مثل حالتها، حيث يتم تحديد مكان الحيوانات التي يتم الاتجار بها أو تسليمها، ويبدأ العلماء في تحديد ما يجب فعله لاحقاً، هي ما يحفز المجتمعات والباحثين والحكومات على محاولة وقف معدلات فقدان الحياة البرية، والاتجار بها في أميركا اللاتينية على مدى السنوات الخمسين الماضية.
تعد أميركا اللاتينية موطناً لنحو 40% من الأنواع الموجودة على كوكب الأرض، كما تعد موطناً لأكبر الغابات الاستوائية المطيرة، وهي منطقة الأمازون، لكنها عانت بعض أكبر الخسائر في العالم: فقد انخفضت أعداد الحيوانات في أميركا اللاتينية، ومنطقة البحر الكاريبي بنحو 95% على مدى نصف القرن الماضي، وفقاً لتقرير صدر عام 2024 عن الصندوق العالمي للطبيعة، وجمعية علم الحيوان في لندن. (وبالمقارنة، شهدت أفريقيا انخفاضاً بنسبة 76%). وبينما تهدد الأنشطة الاستخراجية مثل الزراعة والتعدين، وقطع الأشجار الموائل الطبيعية، فإن الاتجار بالحيوانات يمثل أيضاً جزءاً من المشكلة.
تقول: «ماريا روزاريو شيكونكي شيندوي»، وهي امرأة من السكان الأصليين من شعب «كامينتشا» الأصلي في ولاية بوتومايو الكولومبية، «البشر هم أعظم الحيوانات المفترسة على الإطلاق». وتضيف أن الاتجار بالأنواع البرية «يُحدث اختلالاً روحياً وعاطفياً بالنسبة لنا»، لأن كل حيوان يؤدي دوراً مهماً في الطبيعة.
عندما اتصلت امرأة من ولاية الأمازون البرازيلية، التي تحد كولومبيا، بالشرطة البيئية الكولومبية بخصوص «لا نيجرا»، أوضحت أن رجلاً غريباً طلب منها الاحتفاظ بشبل اليجور في منزلها ليوم واحد كخدمة. وهذه قصة شائعة في المنطقة التي يتم فيها تهريب مئات الحيوانات سنوياً، ما يؤثر في أعداد الحيوانات، ويهدد صحة الأنظمة البيئية المحلية، ويغذي شبكات إجرامية في كثير من الأحيان.
يُقدّر حجم الاتجار بالحياة البرية عالمياً بنحو 23 مليار دولار سنوياً، ما يجعله رابع أكبر مصدر للأرباح الإجرامية بعد تجارة المخدرات والتزوير والاتجار بالبشر. وتُعد تجارة الحياة البرية جذابة بسبب هوامش الربح العالية والعقوبات المخففة وانخفاض مخاطر الملاحقة القضائية. وغالباً ما يتحمل الصيادون المحليون وطأة إنفاذ القانون - ففي كولومبيا، قد يُحكم عليك بالسجن 12 عاماً لصيد الأنواع المهددة بالانقراض. وفي المقابل، يجني المهربون الذين ينقلون الحيوانات «دولياً» أرباحاً من بيعها لأغراض استخدامها في الأزياء، أو العلاجات التقليدية أو كحيوانات أليفة غريبة دون عواقب تُذكر.
وبحسب وزارة البيئة الكولومبية، فإن جلود وريش وعظام الأنواع المهددة بالانقراض مثل الجاكوار، وكندور الأنديز، وأنواع معينة من الدببة، والببغاوات القرمزية مطلوبة بشدة في السوق السوداء. وتشير تقديرات جمعية الحفاظ على الحياة البرية إلى أن الاتجار بالحيوانات البرية بين أميركا الجنوبية وآسيا تضاعف على مدى العقد الماضي.
والعديد من دول أميركا اللاتينية، مثل كولومبيا، عملت على تصعيد قضية الاتجار بالحياة البرية إلى مستوى قضية أمن قومي، مع تزايد الروابط مع الجماعات الإجرامية العابرة للحدود. وهذا يسمح باتخاذ إجراءات صارمة أقوى ضد المهربين، وفقاً لروبرت موجا، مؤسس معهد «إيجارابي»، وهو مؤسسة فكرية معنية بالأمن والتنمية مقرها البرازيل.
على الرغم من أن كولومبيا شددت تشريعاتها وعقوباتها، وأسست مركزاً للقدرات السيبرانية لمراقبة الأنشطة الإلكترونية، وأطلقت حملات تعليمية مثل اللوحات الإعلانية الضخمة التي تحذر من عواقب الاتجار، فإن التغلب على الضرر الذي حدث بالفعل عندما يتم الاتجار بحيوان ما يشكل تحدياً في حد ذاته.
تقول «مايرلي جوانا ديلجادو»، عالِمة الأحياء الشابة في مركز الأمازون التجريبي (المعروف باسمه المختصر الإسباني، CEA) في بوتومايو، جنوب شرق كولومبيا: إن إنقاذ الحياة البرية هو جهد تعاوني. وتضيف أن فريقها يعمل بشكل وثيق مع وحدة الشرطة الريفية والبيئية في كولومبيا «كاربينيروس»، وكذلك مع الأكاديميين الذين يحققون في الحياة البرية والمجتمعات المحلية التي تسلم طواعية الأنواع التي ربما انتهت بها الحال في رعايتهم - دون طرح أي أسئلة.
في العام الماضي، أنقذت كاربينيروس ثلاثة حيوانات يتم الاتجار بها كل ساعة في المتوسط، وفككت 34 منظمة إجرامية متورطة في الاتجار بالحياة البرية، وفقاً لبيانات الحكومة. تشمل جهود الوحدة دوريات للكشف عن الاتجار عبر الإنترنت وعمليات تفتيش الأسواق والمطارات والموانئ، ومتاجر الحيوانات الأليفة وشركات البريد السريع.
وتتعاون السيدة ديلجادو أيضاً مع زملاء في بلدان أخرى في الأمازون، حيث تشارك أحياناً صوراً لحيوانات غير معروفة تصل إلى المركز للحصول على مدخلات حول الأصل المحتمل للحيوانات. وقد استقبلت CEA مئات الحيوانات على مدى العقود الأربعة الماضية تقريباً، بما في ذلك التماسيح والببغاوات والسلاحف والثعابين.
يقول «أبيلاردو رودريجيز بولانيوس»، الأستاذ المتخصص في إدارة التنوع البيولوجي في جامعة فرانسيسكو خوسيه دي كالداس في بوجوتا، إن من أهم عوامل إعادة الدخول الناجحة إلى الطبيعة التأكد من أن الحيوانات المأسورة لا ترتبط بالبشر.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»