في 29 يونيو 2014 أعلن تنظيم «داعش» قيام الخلافة الإسلامية، وقال إن زعيمه أبو بكر البغدادي أصبح خليفة للمسلمين! وكانت هذه نتيجة متأخرة للفوضى التي شهدها العالم العربي بدءاً بالاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003، والذي فكك الدولة والمجتمع هناك، ومِن ثَم خلق الفراغَ الذي سمح لذلك التنظيم الإرهابي بأن يُقْدِم على فعلته تلك. وقد اعترف الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما بذل.
وتواصلت الفوضى لاحقاً في ما عُرف باسم «الربيع العربي» الذي انتهى مآله إلى النتيجة نفسها، أي الفوضى التي سمحت للإرهاب آنذاك بأن يحقق نقلةً نوعية بلغت ذروتَها بإعلان قيام دولة «داعش»، في أول تطور من نوعه منذ عَرف تاريخُ العرب المعاصر الظاهرةَ الإرهابية التي تكمن خطورتها في تسترها بالدين وادعاء الحكم به، مما يوقع البسطاء وفاقدي الثقافة الدينية الصحيحة في حبائل التنظيمات الإرهابية.
وكان من الخطورة بمكان أن تلك الواقعة الخطيرة يمكن أن تُشَكل نموذجاً تمكن محاكاته في أماكن أخرى من العالم العربي، وقد جرت بالفعل محاولات لاستنساخ ما جرى في العراق وسوريا في بلدان عربية أخرى، مثل ليبيا ومصر ولبنان. بل امتدت محاولات المحاكاة إلى بلد أفريقي مثل موزمبيق، غير أنها باءت جميعها بالفشل، بحمد الله تعالى، لكن بعد أن أحدثت ما أحدثته من أضرار مادية وفظائع إنسانية ما زالت تداعياتها شاهداً على المستقبل الذي ينتظر العالم لو أن هذه التنظيمات قُدِّر لها أن تنجح في تنفيذ مخططاتها المدعومة من قوى تريد شراً بالبلاد العربية والإسلامية. وقد أُعلن القضاء على رأس الأفعى في 21 نوفمبر 2017، وإن بقيت لها جيوب حتى سقطت آخر معاقلها في سوريا يوم 23 مارس 2019. ومع ذلك فقد حذَّر كلُّ مَن له درايةٌ بهذه الظاهرة السرطانية مِن بقايا لهذا التنظيم يمكن أن تنمو مجدداً لو توفرت لها الظروف المناسبة محلياً وإقليمياً ودولياً.
ومنذ أيام قليلة، وبمجرد وقف إطلاق النار في لبنان، شهدت سوريا تطورات متسارعة نجمت عنها سيطرة «جبهة النصرة» وفصائل حليفة مصنفة كلها كفصائل إرهابية على مدينة حلب السورية، ودخولها مدنا أخرى أهمها حماه. ورغم تضارب التقارير حول مدى التقدم الذي حققته هذه الفصائل، وحول حقيقة إحكام سيطرتها على المناطق التي استولت عليها، فالمؤكد أنها حققت عنصر المفاجأة، الأمر الذي مكّنها من تحقيق ذلك الاختراق.
وثمة ملاحظة أساسية حول التحركات الأخيرة لهذه الفصائل الإرهابية، تتعلق بالتوقيت وبالأطراف المتورطة فيها. وبخصوص التوقيت، فمن الواضح أن هذه الفصائل قد استغلت التداعيات التي ترتبت على المواجهات الأخيرة في المنطقة، والمساعي التي تبذلها قوى إقليمية وعالمية لإعادة تشكيل المنطقة، لكي تضرب ضربتها، بل الأدق أن يُقال قبل أن تؤمر بتوجيه ضربتها من القوى الإقليمية والدولية صاحبة المصلحة. ومن الأهمية بمكان أن تَلقى هذه التطورات ما تستحقه من اهتمام المنظومة العربية في الاتجاه الذي عبّر عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في الاتصال الهاتفي مع فخامة بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية الرئيس السوري، حيث أكد سموه تضامنَ دولة الإمارات مع سوريا ودعمها في محاربة الإرهاب والتطرف، كما شدد على موقف دولة الإمارات الداعم لجميع الجهود والمساعي المبذولة لإيجاد حل سلمي للأزمة السورية بما يحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق إلى الاستقرار والتنمية ويضمن وحدة سوريا وسيادتها على كامل أراضيها.
وهذا موقف حكيم يحتاجه العالم العربي لتجنب الدخول في مرحلة دموية جديدة هو في غنى عنها خلال هذه الظروف العصيبة التي تمر بها المنطقة.
*أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة