في إطار عملية التطوير المستمرة للمؤسسات العقابية والإصلاحية، أصدرت حكومة دولة الإمارات مؤخراً مرسوماً بقانون اتحادي بشأن تنظيم المؤسسات العقابية والإصلاحية، يمثل طفرة نوعية مهمة في تنظيم هذه المؤسسات، التي تحرص على احترام حقوق الإنسان، حيث يتم تطبيق القواعد النموذجية لمعاملة السجناء في تلك المؤسسات.

ومن ذلك خضوعها لزيارات عشوائية من إدارات حقوق الإنسان والمدعين العامين. وتتضمن هذه الزيارات إجراءاتٍ تفقديةً للسجون، وإجراء مقابلات خاصة مع السجناء، في الوقت الذي يتلقى فيه السجناءُ حقوقَهم الكاملة في إعادة التأهيل، والرعاية الطبية، والتغذية، والاتصال بأسرهم ومحاميهم، ويتم فصل المدانين وفقاً لطبيعة جرائمهم.

وفي الواقع، فإن المؤسسات العقابية والإصلاحية في دولة الإمارات هي مرافق لإعادة التأهيل. وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الداخلية توفر برنامجاً متكاملا لتأهيل السجناء من المواطنين الإماراتيين لسوق العمل، وتدير البرنامجَ كلياتُ التقنية العليا، وهو متاح للسجناء الذين تبقى لهم سنة أو سنتان من مدة الحكم الصادر عليهم.

ويقدم البرنامج التدريبَ للسجناء، وفرص عمل عند قضائهم فترة العقوبة. والحاصل أن عملية التطوير الخاصة بالمؤسسات العقابية والإصلاحية تجري على الصعيدين الاتحادي والمحلي في الوقت نفسه، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بصفته حاكماً لإمارة أبوظبي، أصدر في مارس الماضي قانوناً بتنظيم مراكز الإصلاح والتأهيل في الإمارة، تم بموجبه تعديل مسمّى «المنشآت العقابية والإصلاحية» في إمارة أبوظبي، ليصبح «مراكز الإصلاح والتأهيل»، ومن بين ما تضمنه هذا القانون النص على أن تتضمن مهام المراكز تدريب موظفيها وفق أعلى المعايير الدولية، بما يضمن تطبيق أفضل الممارسات في إدارة المراكز. وقد جاء هذا القانون في أعقاب تطور مهم تمثل في نقل إدارة المنشآت العقابية والإصلاحية ومؤسسات الأحداث في إمارة أبوظبي إلى دائرة القضاء في أبوظبي، وهو ما تم منذ 1 يناير الماضي، بهدف تعزيز منظومة الإصلاح وإعادة التأهيل في الإمارة، وإرساء منظومة رائدة تسهم في معالجة التحديات وتقديم حلول مبتكرة وصولاً إلى تطبيق أفضل الممارسات الدولية في كافة المجالات ذات العلاقة، بما يدعم المكانة العالمية التي تحتلها الإمارة.

وبالعودة إلى المرسوم بقانون اتحادي الذي أصدرته حكومة دولة الإمارات بشأن تنظيم المؤسسات العقابية والإصلاحية، الأسبوع الماضي، فإن هذا القانون يمثل بالفعل طفرةً نوعية في مسيرة تنظيم هذه المؤسسات، لما تضمنه من نصوص متقدمة، منها النص على إنشاء «لجنة السياسات الإصلاحية للنزلاء»، وهي تتبع وزارة الداخلية، وتختص ‌بضمان تطبيق أفضل الممارسات في إدارة المؤسسات العقابية والإصلاحية، ‌واقتراح التدابير والآليات المناسبة لتطوير المؤسسات العقابية والإصلاحية، بما يكفل تحقيق رسالتها في إصلاح النزلاء المحكوم عليهم وتأهيلهم وإعادة دمجهم أعضاء صالحين في المجتمع. وتبدو غلبة الجانب الإنساني واضحة في مسيرة تطوير المؤسسات العقابية والإصلاحية في دولة الإمارات، وهنا تمكن الإشارة إلى المساعدات المالية لأسر السجناء التي تقدمها وزارة تنمية المجتمع، كما تمكن الإشارة إلى الدور المهم لصندوق الفرج الذي ساعد أكثر من 12 ألف نزيل في هذه المؤسسات (من أكثر من 50 جنسية)، منذ إطلاقه عام 2009، ويساعد الصندوق النزلاء بغض النظر عن جنسيتهم أو عرقهم أو جنسهم أو عقيدتهم أو وضعهم الاقتصادي، ويهدف إلى رعاية أسر السجناء أثناء وجود عائلهم في المؤسسة العقابية، إلى جانب رعاية السجين نفسه، بهدف إعطاء أسرته فرصة حقيقية لإعادة التكيّف مع المجتمع، وتحقيق مبدأ الوقاية من الجريمة، لضمان عدم انحراف الأبناء تحت ضغط الحرمان والعوز والحاجة.وفي ظل التطوير المستمر للمؤسسات العقابية والإصلاحية، ثمة العديد من الإشادات الدولية بتجربة دولة الإمارات في هذا المجال، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، حصول الإدارة العامة للمؤسسات العقابية والإصلاحية في شرطة دبي، في أغسطس 2023، على اعتماد عالمي في جودة الحياة والعدالة وحقوق الإنسان، من منظمة الإصلاح الأميركية (ACA) الأقدم من نوعها في تقييم السجون.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.