الأرقام لا تكذب، ومن المهم والضروري الاعتماد عليها كونها توفر صورة واضحة ودقيقة عن الواقع، وتساعد في اتخاذ القرارات المستنيرة، وهذا ينطبق على مستوى الحكومات والشركات، فهي تهتم بالأرقام كالإيرادات والتكلفة والأرباح، وكذلك الإحصاءات، وذلك لتقدير مستوى النمو الاقتصادي، ومعدلات البطالة والتضخم، وكلها مؤشرات حتمية تساعد الحكومات على وضع السياسات والاستراتيجيات المناسبة لاستمرار عملية البناء والتنمية نحو آفاق مستقبلية غير محدودة.
وليس خافياً أن مرحلة البناء والتأسيس اعتمدت في الإمارات بصورة كبيرة على البترول، لكن أصحاب القرار بدأوا البحث عن بدائل فعلية يمكن الاعتماد عليها لتنويع مصادر الاستثمار، وعليه بدأ الاستثمار في قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة والطاقة النظيفة والذكاء الاصطناعي. وعلى هذا الأساس، بدأ يتراجع اعتماد الدولة على النفط ومشتقاته في الناتج المحلي للإمارات، حتى أصبح، خلال الربع الأول من العام الحالي، أقل من 25%، حسب بيانات المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء، فسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي أكثر من 430 مليار درهم، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2023، فيما حقق الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي نمواً قدره 4%، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وبحسب تقرير بنك الإمارات دبي الوطني؛ تُعد الإمارات الأكثر نجاحاً في تنويع مصادر دخلها، مقارنة ببقية دول مجلس التعاون الخليجي، ويُتوقع أن تحقق فائضاً في الميزانية يعادل 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2025، ولما يمنح الحكومة مرونة كافية لمواصلة تنفيذ استراتيجيتها الاستثمارية من دون أن تضطر إلى إجراء تغييرات جذرية في خطط الإنفاق، وخصوصاً في الاستثمار في البنية التحتية والمشاريع الحكومية التي بلغت قيمة ما هو قيد التنفيذ منها 348 مليار درهم نهاية سبتمبر من هذا العام.
فمنذ بداية العام الجاري وحتى نهاية الربع الثالث؛ استقطبت الإمارات 18 ألفاً و175 علامة تجارية، بنمو وصل إلى 39% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهو ما يتماشى مع رؤية «نحن الإمارات 2031» التي تهدف لأن تصبح الإمارات ضمن أهم 10 دول على مستوى العالم في استقطاب المواهب العالمية والحفاظ عليها، كما تُشكل خطة عمل وطنية تستكمل من خلالها الإمارات مسيرتها التنموية للعقد القادم، وتركز على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والاستثمارية والتنموية.
من خلال هذه الرؤية، تهدف الإمارات إلى تعزيز مكانتها شريكاً عالمياً، ومركزاً اقتصادياً جاذباً ومؤثراً، وإبراز النموذج الاقتصادي الناجح للدولة، والفرص التي توفرها للشركاء العالميين كافة. وتعد تلك الرؤية خطوة أساسية نحو مئوية الإمارات 2071 ومبادئ الخمسين، وتدكز الرؤية على أربعة محاور رئيسة تشمل القطاعات الحيوية كافة، التي تتضمن المجتمع، والاقتصاد، وعلاقات الإمارات مع مختلف دول العالم، والمنظومة الممكنة.
وما يؤكد سعي الإمارات نحو التطبيق العملي، أن «أدنوك»، وشركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر» وقعتا اتفاقية مع مايكروسوفت للتعاون الاستراتيجي في مجالات الذكاء الاصطناعي والحلول منخفضة الكربون في الإمارات والعالم، للحدّ من انبعاثات منظومة الطاقة الحالية، والمساهمة في بناء منظومة طاقة مستدامة للمستقبل، وذلك بعد أن أقامت مطلع نوفمبر الجاري النسخة الأربعين من معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول «أديبك» بأبوظبي «تواصل العقول لتحقيق انتقال واقعي ومنظّم في قطاع الطاقة»، الحدث الأكبر من نوعه لقطاع الطاقة في العالم، وكل ذلك يقوم على الأرقام والإحصاءات والتحليلات.
وكل ما سبق بالطبع يأتي تماشياً مع رؤية القيادة في دولة الإمارات بالاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة لدعم النمو المستدام، والاستعداد بجدية لعصر ما بعد النفط، حيث لا تكتفي القيادة بالموارد الطبيعية، وتدعم العقول الخلاقة والمبدعة لمواكبة العصر وتقنياته الحديثة.