تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة بعيد الاتحاد الثالث والخمسين في ظل قائمة طويلة من النجاحات والإنجازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية، وتتطلع إلى المستقبل وهي أكثر ثقة ويقيناً بقدرتها على مواصلة هذه المسيرة بفعل استنادها إلى ركائز قوية وأسس راسخة تضمن لها استدامة التفوق والتميز، والمضي بهما إلى آفاق أبعد.
وفي هذا الإطار، تحتفي الدولة بمرور عشر سنوات على برنامج الخدمة الوطنية الذي يمثل، منذ إطلاقه عام 2014، أحد أبرز النماذج على عمق الولاء والانتماء لدى أبناء دولة الإمارات، والتفافهم حول راية الوطن وقيادته الرشيدة، وحماستهم للانخراط في خدمته في كل المجالات، واستعدادهم لبذل الأرواح رخيصة في سبيل حمايته والذود عن سيادته وكرامته وحماية ثرواته ومقدراته.
كانت رؤية القيادة الرشيدة واضحة بشأن طبيعة أهداف الخدمة الوطنية وما تنطوي عليه من معانٍ وقيم، على النحو الذي يوضحه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بقوله إن «الخدمة الوطنية هي إحدى ركائز بناء الأجيال القادرة على مواجهة التحديات، وترسخ فيهم قيم الولاء والانتماء والتضحية في سبيل الوطن من أجل الحفاظ على المكتسبات والمنجزات التي تحققت، وتعزيز نهضة دولة الإمارات وأمنها واستقرارها».
وكان إصدار قرار الخدمة الوطنية عام 2014، مبعث فخر وطني لدى كل أبناء الدولة، حيث تسابق الشباب إلى نيل شرف الالتحاق بالدفعة الأولى منها، موقنين بأنهم حين يلبون نداء الواجب إنما يشاركون في صناعة التاريخ، ويحاولون رد بعض الجميل إلى وطن وفر لهم كل أسباب العزة والكرامة، ورفع اسم دولة الإمارات عالياً بين الأمم التي استطاعت التغلب على كل الصعوبات، لتقدم للعالم تجربة مكتملة الأركان في النهوض والتقدم السريع نحو الصدارة العالمية، في ظل تحديات كبيرة، وعقبات صعبة، وبيئة إقليمية وعالمية محفوفة بالمخاطر والتهديدات.
ولبى قرار الخدمة الوطنية رغبة لدى شباب الدولة بالانتماء إلى القوات المسلحة، المؤسسة الوطنية التي أثبتت اقتدارها وتفوقها في كل ميادين الشرف، وقدم منتسبوها أرقى نماذج الكفاءة والاقتدار والبطولة والفداء منذ قيام الاتحاد، وأكدوا جرأتهم وشجاعتهم وبطولتهم في أصعب المواجهات التي خاضوها تحت راية وطنهم الشامخ، نصرةً للحق والعدل، ودفاعاً عن المظلومين، وردعاً لكل من تسول لهم أنفسهم الاعتداء على سيادة دولة الإمارات أو مقدراتها.
ويمكن الآن، بعد عشر سنوات من تطبيق البرنامج، التأكد من قدرته على تحقيق أهدافه التي تتجاوز بناء القدرات العسكرية والأمنية وإعداد المقاتل الكفء القادر على الدفاع عن وطنه، إلى أهداف وطنية أخرى ضرورية في المسيرة الحياتية اللاحقة للمجند، وأساسية لنجاحه في عمله، وهي تزويد منتسبي الخدمة الوطنية بمهارات تقنية ومهنية مثل الأمن السيبراني والزراعة والرعاية الصحية، تجعلهم أقدر على الإبداع والإجادة في عملهم.
وإلى جانب ما سبق، تتعزز لدى منتسبي الخدمة الوطنية منظومة القيم المرتبطة بالجندية وهم لا يزالون في مقتبل العمر، ومن بين هذه القيم التعاون والجدية والانضباط وتقدير المسؤولية والحزم وتحمل الظروف الصعبة، إلى جانب تنمية القدرات البدنية وتعزيز المعرفة بالواقع الإقليمي والدولي. ومثل هذه المهارات والقيم تجعل مردود دراستهم اللاحقة أكبر وأوسع على خلفية التجربة التي خاضوها.
إن احتفاء الدولة بمرور عشر سنوات على مرور قانون الخدمة الوطنية يعكس أهميته التاريخية، وضرورة وضعه في مكانه الذي يستحقه من مسيرة الاتحاد، ولعل هذا العامل الأخير هو السبب وراء تضمُّن الاحتفالات الخاصة بالمناسبة إقامة عرض اصطفاف لمجندي الخدمة الوطنية تحت عنوان «وقفة ولاء» في منطقة السميح تحديداً، بحكم المكانة التي تحتلها «السميح» في تاريخ الاتحاد، إذ شهدت في 18 فبراير 1968 إعلان المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، قيام اتحاد يضم إمارتي أبوظبي ودبي، وهو ما كان الخطوة الأهم التي قادت في نهاية الأمر إلى قيام دولة الاتحاد المباركة في الثاني من ديسمبر 1971، ولتتحرك الدولة الوليدة بثبات نحو التطور والتنمية، ولتتقدم بقوة بعد خمسة عقود فقط، نحو تحقيق هدفها في أن تصبح أفضل دول العالم.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية