لقد تبين أن التضخم قضية حاسمة في انتخابات 2024، لكن القصة الشائعة حول أسبابه - التحفيز الاقتصادي في حقبة جائحة كوفيد-19 - ليست دقيقة كما يُشاع. ويجب ألا نتعلم درساً خاطئاً من هذه التجربة.
إن السبب الرئيسي وراء هذا هو خطة الإنقاذ الأميركية، وهي حزمة تحفيز بقيمة 2 تريليون دولار أميركي تم إقرارها في مارس 2021، والتي أعقبت حزم إغاثة أخرى تم تقديمها في عام 2020. ووفقاً لهذه النظرية، ربما كانت الحكومة تقصد الخير، لكنها وضعت الكثير من المال في جيوب الناس، مما أدى إلى ارتفاع الطلب وإطلاق العنان للتضخم.
هذه القصة جذابة من الناحية البديهية، وليس من المفاجئ أنها أصبحت رواية شائعة في وسائل الإعلام. ومع ذلك، فإن الأدلة تشير إلى أن حزمة التحفيز كان لها تأثير محدود فقط على مسار التضخم.
كان السبب المركزي هو الجائحة نفسها وما نتج عنها من صدمة شبه غير مسبوقة في جانب العرض، والتي استمرت إلى ما بعد الأزمة.
بالاشتراك مع روبن بروكس من مؤسسة بروكينغز وويليام مردوخ من شركة لازارد، قمت بتحليل مجموعة متنوعة من البيانات الاقتصادية خلال مسار الجائحة، بما في ذلك مقاييس الطلب، ومؤشرات العرض مثل أوقات التسليم، ومؤشر لكيفية إدارة الشركات لمخزوناتها.
أظهرت النتائج أن متغيرات سلاسل التوريد كانت مسؤولة بشكل مباشر عن 79% من ارتفاع التضخم الأساسي في عام 2021. واستمرت هذه الآثار في عام 2022، حيث أوضحت المشكلات المستمرة في العرض 60% من ارتفاع التضخم ذلك العام. الباقي كان نتيجة لتداعيات التضخم المدفوع بالعرض في 2021، مما ترك دوراً متواضعاً فقط للتأثيرات المدفوعة بالطلب مثل حزمة الإغاثة من كوفيد.
ولكن لماذا استمرت هذه التأثيرات لفترة طويلة؟ في بداية الجائحة، تحول إنفاق الأميركيين من الخدمات (مثل السفر وتناول الطعام في الخارج) إلى السلع (مثل معدات الحاسوب ومعدات اللياقة البدنية)، في الوقت الذي كانت فيه سلاسل التوريد مضطربة مما أدى إلى نقص في تلك السلع، وبالتالي ارتفاع الأسعار.
وعلى الرغم من أن مشكلات سلاسل التوريد، كما تقاس تقليدياً بأوقات التسليم، تحسنت إلى حد كبير بحلول عام 2022، إلا أن تأثيرات الصدمة الكبيرة استمرت لفترة أطول. على سبيل المثال، كان مدراء المخزون حذرين حتى صيف 2024، مما أدى إلى زيادات في الأسعار بهدف إدارة الطلب والإبقاء على المخزون لفترة أطول.
وكما قال أحد الرؤساء التنفيذيين العالميين مؤخراً، فإن الشركات لا تريد أن تقع في فخ عدم وجود ما يريده المستهلكون في المخازن مرة أخرى. إن زيادة الأسعار لكبح الطلب وإطالة عمر المخزون من السلع تعني أن الأسعار المفروضة على المستهلكين ارتفعت إلى ما هو أعلى من التكلفة التي يتحملها البائع. وهذا يعني أن هوامش الربح ارتفعت، ليس بسبب «التضخم الجشع» ولكن بدلاً من ذلك بسبب الاستجابة العقلانية للشركات التي تدير مخزوناتها.
إن التأثيرات الأخرى، بما في ذلك التأثير على الإسكان والتعويض عن الإنفاق على الخدمات الذي حدث بعد إعادة فتح الاقتصاد، تعني أيضا أن التأثير التضخمي للجائحة استمر لفترة طويلة بعد انتهاء الوباء نفسه.
في هذه العملية متعددة المراحل للتضخم، لعبت خطة الإنقاذ الأميركية دوراً ضئيلا. كانت هذه المراحل ستحدث بغض النظر عما إذا كانت الخطة بقيمة 2 تريليون دولار، أو 1 تريليون دولار، أو حتى 500 مليار دولار. يستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تتكيف الاقتصادات مع الصدمات الهائلة مثل الوباء.
قد يكون هذا الاستنتاج صعب التصديق لأولئك المعتادين على سماع الرواية المعتادة بأن الإفراط المالي هو الذي تسبب في التضخم. ومع ذلك، هناك أدلة منطقية تدعم هذا الاستنتاج.
أولاً، انظر إلى الدول الأخرى. إذا كانت خطة الإنقاذ الأميركية هي السبب في التضخم، فكان من المفترض أن تشهد الدول التي قدمت مساعدات أكبر للتعافي من كوفيد-19 معدلات تضخم أعلى. لكن دولا مثل ألمانيا وبريطانيا التي قدمت مساعدات أقل بكثير شهدت تضخما مشابها للولايات المتحدة. تشير التحليلات التي تشمل مجموعة واسعة من الدول إلى عدم وجود علاقة واضحة. بل على العكس، يبدو أن الولايات المتحدة استفادت من نمو اقتصادي أسرع دون أن تدفع ثمناً أكبر في صورة تضخم أعلى.
وهناك نهج آخر يتلخص في النظر داخل الولايات المتحدة، وإذا كانت الإغاثة من الوباء هي السبب الرئيسي، فيتعين علينا أن نرى أن الولايات التي تلقت الأسر فيها المزيد من الدعم شهدت أيضاً ارتفاعاً في التضخم. وهذا ليس هو الحال أيضاً، كما خلصت ورقة بحثية حديثة صادرة عن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.
وأخيراً، إذا كان التضخم نتيجة لزيادة الطلب الناتجة عن التحفيز الاقتصادي، لكان خفض التضخم يتطلب تقليلاً كبيراً لهذا الطلب. وهذا هو السبب في أن بعض الاقتصاديين توقعوا أن ترتفع البطالة بشكل كبير لتخفيض التضخم. ومع ذلك، انخفض معدل التضخم من 9% في يونيو 2022 إلى حوالي 2.5% اليوم، في حين ارتفع معدل البطالة بشكل طفيف فقط، من 3.6% إلى 4.1%.
لذا، لم يكن التضخم ناجماً إلى حد كبير عن الطلب، وبالتالي لم يكن من الضروري خفض الطلب لخفض التضخم مرة أخرى. (النتيجة المذهلة هي أن التضخم كان لينخفض ​​بشكل كبير حتى بدون تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي).
إذا لم يكن التضخم راجعاً في المقام الأول إلى الاستجابة المالية للجائحة، فإن هذا بدوره يثير السؤال: هل كان الناخبون ليعاقبوا إدارة بايدن-هاريس بنفس القسوة إذا كان من الواضح أن التضخم كان في الغالب بسبب الجائحة فقط؟
في جميع أنحاء العالم، وخاصة في أوروبا، ربما لم يكن لهذا الأمر تأثير كبير. في تلك الدول، كانت حزم الإغاثة المالية أصغر بكثير، ومع ذلك لم يكن بالإمكان استبعاد التضخم كسبب، وعانت الحكومات من خسائر كبيرة في الانتخابات بعد موجة التضخم.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بويت لايسنج آند سينديكيشن»