تناولتْ مقالة الأسبوع الماضي تداعيات فوز ترامب بالرئاسة الأميركية على الصراعات الدولية الجارية، بدءاً بالحرب في أوكرانيا، وذلك على أساس أن الرئيس السابق العائد إلى البيت الأبيض قد وعد في حملته الانتخابية بإنهاء الحروب. وتتناول هذه المقالة الموضوع نفسه، ولكن بالتطبيق على الحرب في الشرق الأوسط التي امتدت من غزة إلى لبنان إلى الضفة الغربية، ناهيك عن الأطراف التي تدخلت لمساندة الفصائل. وبطبيعة الحال فثمة فارق واضح بين الحالتين في أوكرانيا والشرق الأوسط، على الأقل بحكم عمق الالتزام الأميركي حيال إسرائيل. ومن المؤكد أن ترامب كان يعني ما يقوله بخصوص نيته إنهاء الحروب، لكن المشكلة هي كيف ينهيها؟ ويُلاحظ أنه بمجرد فوز ترامب بدأ جدل حقيقي حول توقعات سياساته المقبلة تجاه الشرق الأوسط عامة، وملف الصراع العربي الإسرائيلي خاصة. ويمكن تبين اتجاهين واضحين داخل هذا الجدل، أولهما ركز على السجل السابق لترامب في ولايته الأولى، والذي شهد خروجاً على مألوف السياسة الأميركية تجاه إسرائيل، وأقصد بذلك أنه رغم ما هو معروف عن الانحياز الأميريكي لإسرائيل منذ نشأتها، فإن ترامب أضاف لهذا الانحياز اعترافه بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ونقله سفارة بلاده للمدينة المقدسة. ومعلوم أن قرار الكونجرس الأميركي في هذا الشأن كان قد صدر في أكتوبر 1995 خلال ولاية بيل كلينتون الأولى، غير أنه لم ينفذه، وكذلك فعل الرئيسان جورج بوش الابن وباراك أوباما اللذان حكم كل منهما لولايتين. بل إن ترامب زاد على ذلك بإقرار ضم إسرائيل مرتفعات الجولان السورية وشرعية الاستيطان، وباقتراح «صفقة القرن» حلاً للقضية الفلسطينية، والتي رأى بعضهم أنها كانت بمثابة مشروع لتصفية القضية. وعليه كان أنصار هذا الاتجاه يرون أنه ليس هناك مبرر للاعتقاد بأن نموذج هذه السياسة سيتغير.
وبالمقابل ركز أنصار الاتجاه الثاني على أن ثمة تغيراً قادماً في سياسة ترامب خلال ولايته الرئاسية الثانية، وانطلقوا من أن الظروف الموضوعية قد تغيرت الآن، مقارنة بما كانت عليه في ولاية ترامب الأولى، ولذا فليس بدهياً أن يتبع السياسات نفسها. كذلك استشهدوا بتصريحات ترامب الخاصة بإنهاء الحروب، بما في ذلك الحرب الجارية في الشرق الأوسط، كما استندوا إلى واقعة تأييد قطاع من الناخبين الأميركيين العرب والمسلمين لترامب في السباق الانتخابي كنوع من السلوك العقابي للإدارة الحالية التي لم تفعل شيئاً لوقف الحرب في غزة. ومن الأمور المهمة في هذا السياق أن تأييدهم ترامب جاء بعد اتصالات معه، وأنه رغم وزنهم العددي المحدود فقد كان لهذا التأييد تأثير فعلي أكبر بكثير من حجمه الحقيقي، وذلك بسبب التقارب الشديد في السباق الانتخابي بين ترامب ومنافسته. وأخيراً فقد تحدث بعض أنصار هذا الاتجاه عن واقعة الصهر اللبناني لترامب، في تلميح إلى أن هذا الأخير قد ينقل له وجهة النظر العربية.
والواقع أنه يمكن القول بأن ترامب قد ساهم إلى حد بعيد في حسم هذا الجدل بالأسماء المرشحة لتولي مناصب مهمة ذات تأثير على السياسة الأميركية تجاه حرب الشرق الأوسط، ولذا فلا بد أن يذهب التحليل المنطقي إلى أن سياسات ترامب في ولايته الثانية ستلتزم بأفكارها الأساسية السابقة، على الأرجح، وسوف يكون هذا امتحاناً حقيقياً لمدى جدارة التحليل السياسي وقدرته على التنبؤ.
*أستاذ العلوم السياسية - جامعة القاهرة