خلافاً لرغبة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وفي اليوم التالي لانتخابه، في 6 نوفمبر الجاري، ارتفع الدولار الأميركي بأكبر قدر له منذ استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016، مسجلاً أكبر مكاسبه خلال ثماني سنوات. وذك على حساب العملات الأخرى، بما فيها عملات الملاذ الآمن، مثل الفرنك السويسري الذي تراجع 1.53 في المئة إلى 1.1406 دولار، واليور الذي هبط بنسبة 2.06 في المئة إلى 1.0704 دولار، والجنيه الاسترليني الذي انخفض هو أيضاً بنسبة 1.42 في المئة إلى 1.2855 دولار. حصل ذلك، مناقضاً لرؤية ترامب الذي انتقد مراراً «قوة الدولار»، قائلاً: «أريد دولاراً قوياً، ولكن أريده دولاراً مفيداً لبلدنا، وليس دولاراً قوياً لدرجة تمنعنا من التعامل مع الدول الأخرى». ويتماهى ذلك مع سياساته الاقتصادية التي تضم مزيجاً من الحمائية و«أميركا أولاً»، وتهدف إلى تعزيز مصالح الولايات المتحدة على حساب العلاقات الإقتصادية الدولية التقليدية.

وإذا كان المعروف عالمياً أن قوة النقد تنبع من قوة الاقتصاد، فهذه المعادلة ليست صحيحة دائماً. ومن هنا تبرزأهمية الاختلاف القائم بين ترامب ومجلس الاحتياطي الفيدرالي حول السياسة النقدية التي تسهم بقوة الدولار، وتضر بقدرة الاقتصاد على المنافسة التجارية، مما يحد من حجم الصادرات، بما يؤثرفي أعمال الشركات الأميركية التي تعتمد على الأسواق الخارجية.

ومع استعداد ترامب لتسلّم ولايته الثانية في 20 يناير المقبل، تعهد بتنفيذ سلسلة إجراءات لتقليص العجز المستمر في الميزان التجاري الأميركي، أهمها زيادة الرسوم الجمركية بنسبة 60 في المئة على السلع المستوردة من الصين، وبنسبة تتراوح بين 10 و20 في المئة على السلع من بقية دول العالم، وبينها دول أوروبا، حيث يتخوف الأوروبيون من تداعيات تهديد ترمب بجعل الاتحاد الأوروبي «يدفع ثمناً باهظاً» لعدم شراء ما يكفي من الواردات الأميركية. وهو ما يضع أوروبا أمام خيار صعب بين الانحياز لأحد الجانبين (الأميركي والصيني)، ومواجهة عواقب اقتصادية.

ولذا يرى المراقبون أن «أصعب كابوس اقتصادي لأوروبا أصبح حقيقة»، الأمر الذي قد يدفع منطقةَ اليورو نحو ركود كامل العام المقبل.وبلغة الأرقام، فقد زاد عجز الميزان التجاري الأميركي، خلال تسعة أشهر من العام الحالي بنحو 69.7 مليار دولار، ولوحظ أن الصين استفادت بشكل كبير، إذ سجل فائض ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة قفزة بنحو 33 مليار دولار في أكتوبر الماضي. أما بالنسبة لإجمالي التجارة مع دول الاتحاد الأوروبي، فقد بلغ 1.633 تريليون دولار عام 2023، بواقع 743.3 مليار دولار للمستوردات الأميركية من هذه الدول، مقابل 620 ملياردولار كصادرات أميركية إليها.

ولعل المشكلة الأخطر من الحرب التجارية التي تواجه الاقتصاد الأميركي، هي مخاطر أزمة تراكم الدَّين العام الذي تجاوز للمرة الأولى 35 تريليون دولار، وربما يصل إلى 36 تريليوناً بنهاية عهد جو بايدن في 20 يناير المقبل، إذ تشير التوقعات إلى أن حجم هذا الدين سيرتفع بشكل تدريجي في عهد ترامب بعد تنفيذ تعهده بتمديد قانون عام 2017 الذي ينتهي مفعوله في العام المقبل، وهو يشمل تخفيضات كبيرة في الضرائب.

وتبقى الإشارة إلى أن الصين هنأت ترامب بفوزه رئيساً للولايات المتحدة، لكنها لا تتوقف عن التحذير من أنه «لن يكون هناك فائز في حرب تجارية». وكما قال الرئيس الصيني شي جين بينغ فـ«إن التاريخ يعلّمنا أن الصين والولايات المتحدة تكسبان من التعاون، وتخسران من المواجهة».

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية