خلال الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إلى الهند هذا الأسبوع، شهدت البلاد افتتاح أول وحدة صناعية في مجال الدفاع والطيران في الهند. وسيقوم «مجمع تاتا للطائرات» في مدينة فادودارا بولاية غوجارات بإنتاج طائرات نقل عسكرية من طراز «إيرباص سي 295» بالتعاون مع شركة إيرباص فرع إسبانيا، لحساب القوات الجوية الهندية.

وكان العقد الذي تبلغ قيمته 219 مليار روبية، أو ما يعادل 2.5 مليار دولار أميركي قد وقِّع في إسبانيا في 2021 من أجل شراء 56 طائرة. ومن بين هذه الطائرات الـ56، سيتم تصنيع 40 طائرة في الهند بينما سيتم تجميع الباقي في إسبانيا. وسيتم تصنيع أول طائرة عام 2026. وبالنسبة للهند التي تسعى لتعزيز الصناعة المحلية، يُعد هذا الافتتاح محطة تاريخية وخطوة كبيرة لصناعة الدفاع الهندية ستشهد تعزيز القدرات المحلية بالتعاون مع القطاع الخاص. وقد وصفه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بأنه لحظة مفصلية بالنسبة لقطاع الدفاع الهندي. واليوم، باتت سفن حربية مصنوعة في الهند تقوم بدوريات في المياه الهندية، بينما عززت صواريخ مصنوعة في الهند قوة الردع الهندية. كما تحمي صدورَ الجنود الهنود ستراتٌ واقية من الرصاص منتجة محلياً.

وهكذا، أضحت الهند تعتمد على نفسها في مجال الدفاع وتسعى إلى أن تصبح من أفضل مصنعي المعدات الدفاعية. الهند، التي تُعد واحدة من بين أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، لديها أيضاً متطلبات دفاعية كبيرة بسبب ما تعتبره تهديدات من حولها، ولاسيما أن لديها خلافات حدودية مع اثنين من جيرانها. ونتيجة لذلك، تريد نيودلهي أن تظل على مستوى عالٍ من التأهب والجاهزية الدفاعية في جميع النواحي. كما أنها تعاني من مشكلة الإرهاب العابر للحدود في بعض المناطق الحدودية. ولهذا، وضعت البلاد خطة تمتد على مدى 5 سنوات لزيادة إنتاجها إلى 1.75 تريليون روبية وصادراتها إلى 500 مليار روبية.

ولئن كانت نيودلهي تحاول زيادةَ صادراتها من المعدات الدفاعية، فإنه من المتوقع أن تظل الواردات مرتفعة لبعض الوقت في المستقبل. كما أنشأت الهند «ممرات صناعية دفاعية» لتحفيز الإنتاج المحلي من المواد المتعلقة بالدفاع والفضاء، وذلك بهدف الحد من الواردات وتعزيز تصدير هذه المواد إلى دول أخرى. وقد أطلقت حكومة مودي عدداً من الإصلاحات لدعم التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات، إصلاحات تشمل فتحَ مجال صناعة الدفاع أمام المزيد من الاستثمارات الأجنبية وتجويد عمليات شراء الأسلحة.

غير أنه ما زالت هناك تحديات في ما يتعلق بالحد من استيراد الأسلحة، إذ تحتاج الهند إلى نقل التكنولوجيا إليها من الدول الشريكة لها لدعم التصنيع المحلي بشكل أكبر. ومما لا شك فيه أن مبادرات حكومة مودي أعطت دفعة للقدرات المحلية المتنامية في الهند، رغم أنه ما زال أمامها طريق طويل. ونتيجة لذلك، فإن القدرات المحلية للبلاد آخذة في الارتفاع في عدد من المجالات بما في ذلك معدات سلاح المدفعية، والمركبات المضادة للألغام، والمركبات المدرعة، وصواريخ وراجمات «بيناكا»، وأجهزة التصوير الحراري.

وإذا كانت الهند ثاني أكبر مستورد للأسلحة في العالم، فإن الجهود المبذولة تهدف إلى تعزيز صناعة الدفاع المحلية ليس فقط للأغراض المحلية ولكن أيضاً من أجل التصدير. وتُعد أرمينيا والولايات المتحدة وفرنسا أهم وجهات صادرات الدفاع الهندية.

وفي الأثناء، أصبحت أرمينيا أكبر مستورد للأسلحة من الهند. ومن ذلك نظام الدفاع الجوي «أكاش 1 إس»، الذي اقتنته أرمينيا في إطار اتفاق شراكة دفاعية بقيمة 2 مليار دولار تم توقيعها في 2020. وتشمل واردات أرمينيا الأخرى من الأسلحة الهندية اقتناء أنظمة صواريخ متعددة الإطلاق. وبلغ إجمالي حجم مشتريات أرمينيا من الأسلحة من الهند 600 مليون دولار هذا العام. كما ستقوم الهند بتزويد الجيش الأرميني بمدافع «هاوتزر» وصواريخ مضادة للدبابات ومعدات مضادة للطائرات من دون طيار. هذا البلد الذي يقع في منطقة القوقاز وتحيط به اليابسة من كل الجهات أعطى دفعة قوية لطموحات الهند الدفاعية.

ولئن كانت الولايات المتحدة تستورد قطعاً صغيرة لصناعة الأسلحة من الهند، وتجمع فرنسا العديدُ من أوجه التعاون المشترك مع هذه الأخيرة، فإن الدولة القوقازية الصغيرة، التي كانت تشتري الأسلحة من روسيا تقليدياً، غيّرت مصدر مشترياتها وباتت تقتني الأسلحة الهندية بشكل متزايد، بما في ذلك منظومة الدفاع الجوي. إلى ذلك، عرضت الهند على فيتنام خطوط ائتمان تبلغ قيمتها 300 مليون دولار لشراء قوارب وسفن تم بناؤها في أحواض بناء السفن الهندية، وذلك خلال زيارة رئيس الوزراء فام مينه تشينه إلى نيودلهي في يوليو هذا العام. وأوائل هذا العام، شرعت الهند في تصدير صواريخ «براهموس» التي تفوق سرعتها سرعة الصوت إلى الفلبين بموجب اتفاقية وُقعت في 2022 بقيمة 375 مليون دولار. كما تفيد تقارير بأن الهند تجري محادثات حالياً مع الفلبين لبيع 6 «طائرات هليكوبتر خفيفة متقدمة».

ووفقاً لتقارير، فإن إندونيسيا على وشك إبرام صفقة «براهموس» بقيمة 200 مليون دولار على الأقل. كما تفيد تقارير بأن الهند عرضت على فيتنام صواريخ «براهموس» بالإضافة إلى نظام الدفاع الجوي الصاروخي والتوربيدات المضادة للغواصات. وخلاصة القول، إن صادرات الدفاع الهندية إلى 90 دولة، والتي بلغت قيمتها 210 مليار روبية، أو ما يعادل 2.4 مليار دولار أميركي، في 2023-2024، تشير إلى تعزيز قدرات الإنتاج الدفاعي الذي ارتفع إلى مستوى قياسي بلغ 1.27 تريليون روبية في 2023-2024.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي