في كتاب ذاكرة النسيان للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، كتب ذات ليلة بعد مشاهدته لأحدى المباريات الكروية: «ونحن أيضاً نحب كرة القدم، ونحن أيضاً يحق لنا أن نحب كرة القدم. ويحق لنا أن نرى المباراة، لم لا؟ لم لا نخرج قليلاً من روتين الموت؟ في أحد الملاجئ استطعنا استيراد الطاقة الكهربائية من بطارية سيارة، وسرعان ما نقلنا باولو روسي إلى ما ليس فينا من فرح، رجل لا يرى في الملعب إلا حيث ينبغي أن يرى. شيطان نحيل لا تراه إلا بعد تسجيل الهدف، تماماً كالطائرة القاذفة لا ترى إلا بعد انفجار أهدافها. وحيث يكون باولو روسي يكون الهتاف، ثم يختفي أو يتلاشى ليفتح مسارب الهواء من أجل قدميه المشغولتين بطهو الفرص وإنضاجها وإيصالها إلى أوج الرغبة المحققة. لا تعرف إن كان يلعب الكرة، أم يلعب الحب مع الشبكة». وفي آخر النص كتب درويش: «كرة القدم هي التي حققت المعجزة، خلف الحصار، حين حركت الحركة في شارع حسبناه مات من الخوف، ومن الضجر!».
قصيدة محمود درويش عن كرة القدم تتضمن العديد من الرموز الشعرية القوية التي تعكس عمق التجربة الإنسانية الفلسطينية، وتعبّر عن القضايا المتعلقة بالهوية، الأمل، والصراع. وإليك بعض أبرز الرموز الشعرية التي يمكن استنتاجها من القصيدة: الكرة رمز الهوية والارتباط بالوطن، حيث تمثل الكرة الوطن والهوية، وفعالية اللعب تشير إلى الانتماء والتواصل مع الأرض، حتى في ظل الصعوبات، أما «فضاء الحرية» فيعني بها أن الملاعب تصبح رمزاً للمساحة التي يحمل فيها الشعب الفلسطيني آمالَه وأحلامَه. أما اللاعبون فهم عبارة عن شخصيات رمزية، يمكن أن يُنظر إليهم كرموز للصمود والصبر، ويتجلى فيها النضال من أجل تحقيق الأهداف، سواء في الملاعب أم في الحياة بشكل عام.
«التسديد والتتويج» عبارة تعني الطموح والنجاح، حيث يمثل التهديف الأمل والطموح، ويبرز مفهوم السعي نحو النجاح في مواجهة التحديات والمصاعب. أما «الصراعات الداخلية» فتشير إلى كيفية تأثير النسيان والذاكرة على الهوية، ما يعكس الصراع بين الموروث الثقافي والانطلاقة نحو الحاضر.
ونأتي عند مفهوم «التضامن والفرح الجماعي وشعور الوحدة»، فكرة القدم تعبر عن اللحظات التي يجتمع فيها الناس معاً، ما يخلق شعوراً بالوحدة والتضامن، خاصة في أوقات التحديات. أما عن «أصوات المشجعين» أثناء المباريات فتمثل تعبيراً عن الأمل والاحتجاج، كما تعكس التفاعل بين الجماهير وأحداث اللعبة.
يعكس استخدام درويش لهذه الرموز الشعرية العمقَ الفلسفي والشعوري الذي يسود قصيدتَه. ومن خلال كرة القدم، يُؤكد درويش أهمية الهوية والأمل في حياة الشعب الفلسطيني، ما يجعلها قصيدة تتجاوز حدود الرياضة لتصبح تعبيراً عن حالة إنسانية شاملة.
وحينما ننظر باتجاه أدب كرة القدم، سنجد أن هناك العديد من الروايات الشهيرة التي تتناول موضوعَ كرة القدم، وتتناول تجارب اللاعبين، والمشجعين، والظروف الاجتماعية والاقتصادية المحيطة بهذه اللعبة. ويمكنني أن أذكر عدة أعمال أدبية بارزة تستعرض مختلف جوانب كرة القدم، ومنها على سبيل المثال كتاب يوسف زيدان «فوتبول فوراً»، حيث تناولت الرواية حياة أحد لاعبي كرة القدم وصراعاته لتحقيق حلمه في الاحتراف، وتجسد التحديات النفسية والاجتماعية التي تواجه اللاعبين.
الكتاب الآخر هو «الكرة» لدانيال جلايزر، وهو قصة تدور حول عالم كرة القدم والمواقف التي قد يتعرض لها اللاعبون والمشجعون. كما كتب أسامة المسلم رواية «سحر الكرة»، وناقش فيها تأثير كرة القدم على حياة الأبطال وشغفهم بالتنافس، وما يترتب على ذلك من دروس في الحياة.
عز الدين المدني كتب رواية بعنوان «أحلام في علبة»، وقد تناولت تجاربَ عاشها مجموعةٌ مِن الشبان الذين يطمحون لأن يصبحوا لاعبين محترفين، مستعرضة العقبات والتحديات التي تواجههم. ولا ننسى رواية محمد جمال الدين «شغف كرة القدم»، والتي تتناولت شغف الأجيال المختلفة بلعبة كرة القدم، وكيف تصبح جزءاً من الهويات الثقافية. أما محمد المنسي قنديل فتناولت روايتُه «أبناء اللعبة» حياةَ مجموعة من الشباب الذين نشؤوا في بيئة كروية مليئة بالأحلام والتحديات. أما أكثر ما لفت انتباهي فهو كتاب محمد فوزي «إيمان في تسعين دقيقة»، والذي تحدث فيه عن تجربة لاعب شاب، وكيف يتعامل مع الصعوبات الناتجة عن احترافه في عالم كرة القدم.
تتناول هذه الروايات مواضيع متنوعة تتعلق بكرة القدم، من أحلام اللاعبين إلى التحديات التي يواجهونها، مما يعكس تأثير هذه اللعبة على الحياة الاجتماعية والنفسية والثقافية للأفراد.
إن أدب كرة القدم يوفر نافذةً لفهم الشغف الاجتماعي والثقافي الذي تحظى به هذه الرياضة حول العالم.
*كاتبة سعودية