في رحلاتي الأخيرة إلى ويسكونسن، وكارولاينا الشمالية، كانت محادثاتي مع الناخبين مزيجاً من الإيجابية والقلق. هناك شباب متحمسون للتصويت لأول مرة، وآخرون غير مبالين بالانتخابات. التقيت جمهوريين يخططون للإبقاء على تصويتهم لنائبة الرئيس كامالا هاريس سراً، ورجال من أصول أفريقية يدافعون عن نزعاتهم للتصويت لدونالد ترامب. كان كل حوار يبدو وكأنه يتأرجح بين سباق سياسي، ومعركة وجودية بين الخير والشر، لكن جميعهم، في مرحلة ما، أشاروا إلى الناخبين «الأفارقة»، والدور الذي سيلعبونه في نتيجة الانتخابات. تركتني هذه الأحاديث قلقاً من أن هذه اللحظة السياسية يتم فهمها بشكل خاطئ، وأن البلاد تفوّت الرسالة التي تحملها أميركا السوداء.
تُظهِر استطلاعات الرأي سباقاً متقارباً بين هاريس وترامب، حيث لا يتعدى هامش الفوز بينهما هامش الخطأ. ومن المرجح أن يُحدَّد الفائز في عدد قليل من المناطق المتأرجحة، حيث يقطن الكثير من ذوي الأصول الأفريقية: أتلانتا، وديترويت، وميلووكي، وفيلادلفيا، وممر الطريق السريع 85 في ولاية كارولاينا الشمالية. وقد جعل هذا الناخبين «الأفارقة» محور الاهتمام مرة أخرى - وخاصة الرجال، الذين يحظون باهتمام خاص من المرشحين والأحزاب ووسائل الإعلام.
لقد كانت هذه الحالة قائمة منذ عقود عدة. كان إقبال الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية في انتخابات 2008 و2012 الرئاسية مرتفعاً تاريخياً ومنحازاً بشكل كبير، ما ساعد باراك أوباما على الفوز والحفاظ على منصب الرئاسة. على الرغم من أن عدد الناخبين العام كان أكبر في انتخابات 2016، إلا أن عدداً أكبر من ذوي الأصول الأفريقية اختاروا البقاء في المنزل، ما أفاد ترامب بشكل كبير حتى أنه تفاخر بذلك في تجمع بولاية بنسلفانيا: «لم يخرجوا للتصويت. وكان ذلك أمراً كبيراً، لذا شكراً للجالية الأفريقية الأميركية». وفي عام 2020، أنقذ ذوو الأصول الأفريقية حملة جو بايدن الانتخابية في الانتخابات التمهيدية الجنوبية، وحضروا بقوة يوم الانتخابات. فاز بايدن بالبيت الأبيض، وأغلبية «ديمقراطية» في الكونجرس. واليوم، يبدو أن هؤلاء الناخبين قد يحددون رئاسة البلاد مرة أخرى، يجب أن تولي أميركا اهتماماً كبيراً.
تبدو البلاد وكأنها في حالة تحوّل. سياستنا تعيد تشكيل نفسها، وديمقراطيتنا في حاجة إلى مراجعة. إن التغيير قادم. ومنذ الحرب الأهلية، لا يوجد سوى القليل من الأشياء التي تتنبأ بقدوم التحول الوطني مثل الناخبين الأفارقة المتجانسين. عندما يدعم هذا التكتل حزباً معيناً بشكل كامل، يتغير وجه البلاد إلى الأبد - أحياناً للأفضل وأحياناً لا.
حدث ذلك ثلاث مرات في تاريخنا. المرة الأولى كانت عقب الحرب الأهلية، عندما صوت العبيد المحررون حديثاً بشكل حاسم للجمهوريين، مما أدى إلى دخول أكثر من 2000 سياسي أسود إلى المناصب المحلية والمناصب داخل الولايات وعلى المستوى الفيدرالي. كرد فعل، اجتاحت حملة إرهاب عنصرية الجنوب. كان البيت الأبيض والكونجرس والمحكمة العليا جميعهم متواطئين في إنهاء إعادة الإعمار، حيث تم استبدالها بسياسات الفصل العنصري والتمييز المتعمد. المرة الثانية كانت في عام 1964 بعد تمرير قانون الحقوق المدنية، عندما فاز الرئيس «الديمقراطي» ليندون جونسون بنسبة 96% من أصوات الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية. رسخت هذه الانتخابات إعادة تشكيل سياسي سريعاً لكل فرع من فروع الحكومة على المستويات كافة - كأنها إعادة إعمار ثانية.
كانت الانتخابات الرئاسية لعام 2008 هي المرة الثالثة. وقد وصفها العلماء بأنها بداية لإعادة الإعمار الثالثة، وربما فرصة لاستئناف العمل غير المكتمل للأمة المتمثل في إنشاء ديمقراطية متعددة الأعراق عادلة ومنصفة - الاتحاد الأكثر كمالاً. كانت القومية الشرسة والتوجهات القومية قد أوقفت إعادة الإعمار الأولى. في الثانية، صعد أشخاص جدد من مجموعات مختلفة إلى السلطة، فغيروا النظام، وأحرزوا تقدماً تدريجياً نحو المساواة. أي طريق سنختار الآن؟
أياً كان الاختيار، فمن المتوقع أن تتغير التحالفات. فقد عاد عدد الناخبين من ذوي الأصول الأفريقية الذين يدعمون«الجمهوريين» إلى المعدلات التاريخية، رغم أنه لا يزال بالكاد 1 من كل 8. لكن الجدير بالملاحظة أن هذه الزيادة حدثت تحت تأثير شعار «ماجا» (لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى) الذي أعاد تشكيل الحزب. في الكونجرس الآن، هناك عدد أكبر من الجمهوريين السود (خمسة) مما كان عليه في أي وقت منذ إعادة الإعمار الأولى. كما يهدد ترامب بأن يصبح أول مرشح «جمهوري» منذ عام 1980 يفوز بنسبة 14% من أصوات السود. وارتفع الدعم لترامب بين الناخبين الأصغر من 30 عاماً، والناخبين من أصل إسباني، وخاصة الرجال. إذا أصبحت النزعة القومية في الولايات المتحدة متعددة الأعراق، فسوف تغيّر البلاد إلى الأبد.
من ناحية أخرى، إذا نجحت هاريس في مساعيها للحصول على الرئاسة، فسوف يعود الفضل في ذلك إلى الإقبال الكبير في المناطق الحضرية المتأرجحة. إن عدم تسامح حركة «ماجا» سيكلف «الجمهوريين» خسارتين متتاليتين في الانتخابات، وسيحتاج الحزب إلى التغيير. ربما تكون الظروف مهيأة لإجراء إصلاحات شاملة لديمقراطيتنا، والتي يقول 85% من الأميركيين إنها ضرورية. وإذا حدث ذلك، فسيقود المزيد من الأشخاص من المجموعات المستبعدة سابقاً، مرة أخرى، لن تكون أميركا كما كانت أبدا.
إن تاريخ أي أمة مليء بالأنماط. ولا يحق لأي شعب أو مجموعة أن تحتكر التعرف إليها والتعلم منها. يوثق تاريخ أميركا «الأفريقية» المسار الوعر الذي يربط بين الإقصاء والانتماء. وتظهر سياساته التغيرات في اتجاه الأمة على طول الطريق. التباين هذا العام بين المرشحين ورؤاهما واضح، وسيكون للناخبين السود دور كبير في تحديد الاتجاه الذي تتجه إليه الأمة.
لكن الخيار فيما يجب فعله بعد ذلك يعود لنا جميعاً. مهما كان اختيارنا، فالتغيير قادم. ربما للأفضل، وربما لا.
نتمنى لكم يوم انتخابات آمناً وعادلاً، وانتقالاً مدنياً وسلمياً للسلطة، ومستقبلاً لديمقراطيتنا.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»