لم يكن ليخطر على بال أشد الناس تشاؤماً حول منظمة الأمم المتحدة لدى إنشائها أن يعيش العالَمُ الصورةَ  التي تمر بها المنظمة حالياً، وهي التي احتفت قبل أربع سنوات من الآن بالذكرى الخامسة والسبعين لاعتماد ميثاقها الذي أوكل إليها مهمة تحقيق الأمن والسلم الدوليين، حيث خاطب الأمين العام للمنظمة، أنطونيو غوتيريش، العالَمَ مذكراً إياه بـ«المستقبل الذي تصبوا إليه الأمم المتحدة وتنشده»، مؤكداً ضرورة «إعادة الالتزام الدولي الجماعي بتعددية الأطراف». كان ذلك في عام 2020 الذي اعتمدته الأمم المتحدة عاماً كاملاً للاحتفال بذكرى إنشائها، ولاعتماد «إعلان سياسي استشرافي» تحت شعار «المستقبل الذي نصبو إليه، وإعادة تأكيد التزامنا الجماعي بتعددية الأطراف».

ومن دون مقدمات، عصفت جائحة كورونا بالعالم، وحوّلت العام الذي خُصص للاحتفاء بمسيرة الأمم المتحدة إلى عام عاش خلاله العالَمُ أسوأَ أوضاعه، وواجهت المنظمة الدولية خلاله أحدَ أكبر التحديات وأكثرها جسامةً، مع استمرار تهديد الجائحة كافةَ المنظومات الصحية في العالَم، منذرةً بالقضاء على المجتمع الإنساني، بينما وقفت المنظمةُ أمام تحديات كبيرة من أجل  حماية البشرية من الجائحة أو تخفيف تبعاتها، لاسيما على المجتمعات النامية والفقيرة التي تُركت تواجه مصيرَها منفردةً، بعد أن تقلصت اهتمامات الدول الصناعية الكبرى وازدادت ضيقاً، واقتصرت على تأمين الصحة والسلامة لسكانها فحسب، بعيداً عن التعاضد الدولي اللازم لتعزيز الاستجابة للجائحة على النحو الذي يكفل لجميع الشعوب السلامة وتأمين المنظومات المعيشية الأساسية اللازمة لحياتها.

وخلال ذلك العام الذي اختير للاحتفال بالأمم المتحدة، وللبدء في تنفيذ المشروع الذي خُطط له، وتم اعتمادُها مِن قِبل دول العالم، لم تستطع الأمم المتحدة تحقيق المستقبل الذي تصبوا إليه، بل حتى لم تستطع تأكيد الالتزام الجماعي الدولي، وهو ما هدد دور المنظمة بعد أن تجسد عكسُ ما كان الجميع يطمح له. وبعد أن تعذر  تحقيق التعاضد والتكافل الدوليين اللذين كان العالم بأشد الحاجة إليهما.

وفيما خططت الأمم المتحدة لاستعاضة مكانتها واستعادة ثقة العالم، من خلال الاحتفاء بمرور 75 عاماً على اعتماد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، والذي صادف عام 2023، انطلاقاً من دعوة الأمين العام التي حث خلالها الدولَ الأعضاء على اغتنام تلك الذكرى لتعزيز التزامها معاً بالقيم الخالدة المكرسة في الإعلان العالمي، ولتوطيد احترام جميع حقوق الإنسان، والتي هي حقوق تكفل الحماية لنا جميعاً..  جاءت الحرب الإسرائيلية على غزة لتعصف ليس فقط باحتفالية الأمم المتحدة بمرور 75 عاماً على مسيرة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، ولكن أيضاً لتعصف بقيم ومبادئ وردت في الإعلان العالمي نفسه لحقوق الإنسان، ولتضعِف  بعض منظمات وهيئات وآليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بعد أن وقفت عاجزةً عن حماية أرواح الضحايا الأبرياء من الأطفال والنساء  في غزة وحمايتهم مِن الموت الذي طالَهم وقضى على حياتهم ودمّر أحلامَهم وقوّض آمالَهم وحطّم تطلعاتِهم في العيش بحرية وعدالة وكرامة.

* كاتبة إماراتية