يؤثر النزاع في الشرق الأوسط والانتخابات الرئاسية الأميركية لهذا العام على بعضهما البعض بطرق مهمة. فنحن نشهد جدلاً داخلياً يتكشف داخل الحزب «الديمقراطي»، إلى جانب تشدد المواقف على الجانب «الجمهوري».
ونتيجة لذلك، هناك أمل ضئيل في حدوث أي تغيير كبير في السياسة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط، بغض النظر عن الفائز في الانتخابات. لقد تسببت حرب إسرائيل في غزة في حدوث انقسام داخل التحالف «الديمقراطي».
وخلال العقد الماضي، نشأت عدة حركات جماهيرية في الولايات المتحدة استجابة لحقوق المرأة، و«حياة السود تهم»، والهجرة، والسيطرة على السلاح. وقد اندلعت كل هذه القضايا كقضايا حزبية تضع «الديمقراطيين» في مواجهة «الجمهوريين». وتعد الحركة الجماهيرية لدعم الحقوق الفلسطينية ووقف إطلاق النار في غزة أحدث هذه التغييرات. وهي تتكون من نفس المجموعات المكونة التقدمية الأساسية. والفرق الرئيسي بين الحركة المؤيدة للفلسطينيين والحركات الأخرى هو أنها ليست جهداً حزبياً بحتاً، بل إنها شأن داخلي يضع عناصر رئيسية في التحالف الديمقراطي ضد قيادة الحزب.
تشير استطلاعات الرأي إلى أن معظم «الديمقراطيين» يتعاطفون للمرة الأولى مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين، ويرغبون في وقف فوري لإطلاق النار، ويدعمون تعليق المساعدات العسكرية لإسرائيل. كما أنهم لا يميلون إلى رؤية الولايات المتحدة متورطة عسكرياً في صراعات الشرق الأوسط والعالم.
وتتجلى هذه المواقف بشكل خاص بين الناخبين الشباب وغير البيض- وهم مكونات أساسية في الائتلاف «الديمقراطي». والواقع أن هذا التوتر داخل الحزب «الديمقراطي» حقيقي، وقد يكلف الحزب أصواتاً في بعض الولايات. ورغم أن تغيير المواقف داخل الحزب «الديمقراطي» نتيجة للحرب قد أدى إلى ابتعاد بعض الأعضاء عن الروابط التاريخية للحزب مع إسرائيل، إلا أن هذا التحول بدأ يؤثر أيضاً على السياسات.
فقد وقع عدد قياسي من أعضاء الكونجرس «الديمقراطيين» على مشاريع قوانين ورسائل تحث على وقف إطلاق النار أو تدعو إلى فرض قيود على شحنات الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل.من ناحية أخرى، يظل «الجمهوريون» خاضعين لهيمنة اليمين المسيحي وبقايا الحركة المحافظة الجديدة، وكلاهما يتبنى رؤية عالمية مانوية تدعم إسرائيل دون قيد أو شرط في دورها بالمنطقة والعالم. وعلى الرغم من الخسائر البشرية والمادية والهيبة الأميركية الناتجة عن الحروب الكارثية في العراق وأفغانستان، تواصل هذه التيارات الأيديولوجية النظر إلى الولايات المتحدة كقوة رئيسية للخير في العالم. بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، سيستمر التصدع - سواء داخل الحزب «الديمقراطي» أو بين الحزبين. لا أتوقع أن تقوم إدارة هاريس بأي تحول فوري أو جذري في نهجها.
ولا تزال مؤسسات السياسة الخارجية والاستشارات السياسية «الديمقراطية» متحفظة وبعيدة عن الديناميكيات المتغيرة لدى الناخبين والقدرة المتضائلة للولايات المتحدة في العالم. لكنني أتوقع أنها ستضطر في النهاية إلى الاعتراف والاستجابة للضغوط السياسية التي تتزايد من القاعدة وتقديم بعض التكيف معها.
ولكن ترامب، من ناحية أخرى، فهو ترامب. أتوقع أن تكون إدارته غير تقليدية وغير متوقعة كما كانت في السابق. ومع ذلك، على الرغم من رغبته في تجنب التورط في الحروب الخارجية، إلا أنه لن ينحرف عن، أو يتحدى، معتقدات أنصاره في هيمنة الولايات المتحدة وسلامة سلوكيات إسرائيل. لكن مدى التعقيدات والتوترات المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط سيتطلب منه تقديم بعض التنازلات.
ولكنني لست متأكداً من أن بإمكانه أو، في هذا السياق، المؤسسة «الديمقراطية» للسياسة الخارجية، التصدي لهذا التحدي. وسيتعين عليهم التفكير في أمور أكبر من مجرد «محاولة تهدئة الأمور» في لبنان وسوريا والعراق وإيران والسودان وليبيا واليمن. يجب عليهم الاعتراف بأن الولايات المتحدة لا تستطيع إحداث تغيير دون معالجة المظالم التاريخية. كما يجب عليهم التعامل مع الحقائق الجديدة التي تحول المنطقة.
من الواضح أنه رغم وجود تغيرات في السياسة الأميركية وفي الديناميكيات التي تتكشف عبر الشرق الأوسط، فإن الأمر يتطلب تفكيراً جديداً وقيادة مبدعة. ويبدو أن هذا التفكير الجديد يتطور في الشرق الأوسط أكثر منه في الولايات المتحدة، التي لا تزال عالقة في عقلية ما بعد الحرب الباردة القديمة، التي تنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها «الأمة التي لا غنى عنها»، أو «المدينة المتألقة على التل»، أو «منارة الحرية».
وبينما أشعر بالارتياح لاستمرار المناقشة الساخنة على الجانب «الديمقراطي» حول دور الولايات المتحدة في المنطقة والعالم، فإنني لست واثقاً من أن الحزب «الجمهوري»، كما هو، سيكون قادراً على الانخراط في النوع من النقد الذاتي اللازم لجعل التغيير ممكناً. ستكون نتيجة ذلك التوتر الحزبي والجمود الذي يجعل الولايات المتحدة، في الأمد القريب، غير قادرة على لعب دور ذي مغزى في المساهمة في سلام واستقرار الشرق الأوسط. وقد أدى هذا إلى تحرك العديد من حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين بشكل مستقل لتأمين أنفسهم وتخفيف التوترات الإقليمية.
*رئيس المعهد العربي الأميركي - واشنطن