تمرّ المنطقة بمرحلة أسميها «الأحداث المكثّفة». ما يجري الآن في الإقليم نَدر مثيله في العصر الحديث، ولا يمكن فصل الحدَث عن أثره، ولكن من يعيش الواقع لا يرى التغيير بشكلٍ لحظي، بل على الأمد الطويل. ما نعيشه الآن ستكون له تأثيرات جيوسياسية وديموغرافية وجغرافية، وأثر الوضع الراهن الأكبر سيكون على فلسطين ولبنان، وتصدّعاته وشظاياه ستمرّ على سوريا والعراق، وصولاً إلى اليمن. لكن يبقى السؤال كيف السبيل إلى الخروج من هذا النفق المظلم؟! في تقديري أن ثمة ملاحظاتٍ ثلاثاً ضرورية تساعد على فهم الواقع وعلى تجاوز الأحداث الجسام، وهي:
أولاً: رفع مستوى صوت الحكمة، وذلك عن طريق العودة للأساليب والأفكار الديبلوماسية الحيويّة، ولا يمكن أن تحل حروب من دون تفاوض وحوار، ومن المفيد ما يقوم به اللبنانيون من تفاوضٍ وتحاور مع الأميركي لتجنب أي تصعيد قد يدمر لبنان بأكمله. كذلك على الفلسطينيين الرجوع لأسس المبادرات التي طرحت، والإنصات لحكماء المنطقة. علّمنا التاريخ منذ اتفاقية «وستفاليا» وإلى «اتفاقية دايتون» بأن الحرب لا يمكن ختم كتابها إلا بالتفاوض، حيث يلتقي الطرفان في منتصف الطريق. الحرب من أجل الحرب تعني المجازر والمزيد من الضحايا والكثير من الجروح الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
ثانياً: الانتقام أسوأ مستشار، ولا بد من إنهاء خطاب الغرائز من المجال السياسي، فالغريزة مهلكة وتقود البشر والناس نحو المجهول. لا بد من تعزيز خطاب براغماتي يعتمد في سياساته على المصلحة بشكلٍ أساسي. العجلة لا تقود الحصان، بل الحصان يقود العجلة، وحصان كل دولةٍ ومجتمع مصلحته. ومن دون إنهاء خطابات الإلهاء والنعرات والكراهية، لن تصل المنطقة إلى الهدوء والتنمية والاستقرار. ثمة جيل ينشأ الآن على أصوات الحرب ومشاهد الدم، ربما يكون من السهل تجنيده من قبل الأصوليين الحركيين مستغلين مآسي إنسانية معينة، وعلينا الحذر من ذلك والانتباه له.
ثالثاً: تعزيز مفهوم الدولة، فهو أهم مفهوم يحقق الاستقرار على الإطلاق. لقد أثبتت التجارب والأحداث أن الفصيل لا يمكنه التأقلم مع الدولة، لذا لا بد من انخراط الجميع في مؤسسات الدولة، ومن ذلك تعزيز فهم الدساتير والعمل بها، وتقوية الجيوش لتكون وحدها المسؤولة عن الدفاع والصد. عدد من البلدان لا تتولى جيوشُها مسؤولية الدفاع، لأنها ضعيفة مقابل وجود فصائل أكثر تسليحاً، وهذا يضعف مفهوم الدولة ودورها وقوتها. وبدلاً من تعليم النشء أناشيد القتال والصراع، فليتعلموا نشيدهم الوطني الجامع، ولينشدوه كل صباحٍ في المدارس. هكذا نتمنى للدول والشعوب العربية المنكوبة.
الخلاصة، أن الأساليب الديبلوماسية هي الأساس من أجل حلّ الأزمات، والحوار ضروري والنقاش مع أي خصمٍ لا بد منه. في منطقة ملتهبة يمكن لهذه الأزمات أن تعيق أفكارنا وطموحاتنا التنموية في الخليج وأن تؤثر على بنى تحتية صُرفت على بنائها المليارات. وأخطر من ذلك الكلفة الإنسانية والاقتصادية لطوفان النازحين في المنطقة. إن صوت الحكمة أساسي ومطلوب، وهو فعّال وموجود، لكن المهم الاستجابة له وإيقاف الحرب والبدء بمرحلة تنموية جديدة تريح البشر والحجر.

*كاتب سعودي