قد يكون مستقبل إعادة الإعمار بعد الكوارث مرتبطاً بمدينة قديمة تأسست على يد أحد جنرالات الإسكندر الأكبر. المدينة المعروفة تاريخياً باسم أنطاكيا (Antioch)، والتي تعرضت للدمار العام الماضي جراء أقوى الزلازل التي ضربت تركيا منذ أكثر من ثمانية عقود. يأمل الكونسورتيوم الذي يقف وراء الخطة الرئيسية لإعادة بناء المدينة أن تصبح أنطاكيا نموذجاً عالمياً لتجديد المراكز الحضرية التي تعرضت لتدمير واسع النطاق.
الواقع القاتم أن هذا المجال سيكون على الأرجح مجالاً للنمو في السنوات القادمة. ستستلزم الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط إعادة إعمار واسعة النطاق في مرحلة ما، حيث إن مدناً مثل ماريوبول وغزة باتت في حالة خراب. وفي الوقت نفسه، يُعد إعصار ميلتون الذي ضرب فلوريدا هذا الأسبوع تذكيراً بالتكلفة الاقتصادية للكوارث الطبيعية، حيث تُقدر الأضرار والخسائر بحوالي 100 مليار دولار، وذلك بعد أسبوعين فقط من الإعصار هيلين الذي اجتاح ولايات أميركية عدة، متسبباً في أكثر من 200 حالة وفاة. وعلى المدى الطويل، فإن أزمة المناخ تزيد من خطر أن تصبح المزيد من البيئات الحضرية غير قابلة للعيش مع تفاقم تأثيرات الظواهر الجوية، مثل العواصف وحرائق الغابات.
أخبرني فوركان ديميرسي، رئيس مجلس تصميم تركيا، في مقابلة أُجريت معه مؤخراً في لندن التي زارها لحضور منتدى للتصميم، «إنها مشكلة ضخمة، ولا أحد يركز عليها». وقال إن المدن بعد الكوارث «تبدو وكأنها موضوع متخصص ولكنها ليست كذلك. نحن نعيش في عالم من الكوارث، والحروب. ستقضي أزمة المناخ على المدن. وباعتبارنا حضارات إنسانية، نحتاج إلى تعلم كيفية إعادة بناء مدننا مرة أخرى».
دمرت زلازل فبراير 2023 حوالي 80% من المباني في أنطاكيا، مما ترك مئات الآلاف من الناس في المدينة والمناطق المحيطة بها يعيشون في ملاجئ مؤقتة مصنوعة من صناديق على شكل حاويات شحن وفي خيام. تعتبر أنطاكيا عاصمة مقاطعة هاتاي، وهي جزء من جنوب شرق تركيا محصور بين الحدود السورية والبحر الأبيض المتوسط. كانت هذه واحدة من أكثر المناطق تضرراً بالزلزال، الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص في تركيا. وقدرت الحكومة تكلفة الأضرار بأكثر من 100 مليار دولار، أو حوالي 9% من الناتج المحلي الإجمالي.
جمع مجلس التصميم التركي، وهو منظمة غير حكومية تأسست في عام 2016، اتحاداً دولياً يضم أكثر من 30 خبيراً من تخصصات متعددة للعمل على مشروع إعادة البناء، بما في ذلك المهندسون المعماريون البريطانيون «فوستر آند بارتنرز» ومجموعة «بيج».
إن رؤية إعادة الإعمار الجديدة التي كشفت عنها شركة فوستر آند بارتنرز هذا الصيف تجسد سمات مصممة لتعزيز مرونة المدينة، بما في ذلك إنشاء مناطق عازلة خضراء حول نهر آسي ومجارٍ مائية أخرى لنقل المباني بعيداً عن المناطق الأكثر عرضة للنشاط الزلزالي. وسيكون لهذا تأثير ثانوي يتمثل في الحماية من الفيضانات، حيث توفر المناطق الخضراء المزيد من الفرص لجريان المياه. وقد تم تصميم المدينة على نظام الكتل الحضرية، حيث يحتوي كل حي على شوارع رئيسة ومدارس وحدائق عامة وساحات.
بعد إعادة الإعمار، ستتضاعف المساحات الخضراء في المدينة ثلاث مرات، وستتضاعف المساحات العامة مرتين، وفقاً لديميرسي. وفي الوقت نفسه، سينخفض متوسط ارتفاع المباني إلى خمسة طوابق، مقارنة بما كان عليه قبل الزلزال، مع توفير العدد نفسه من الوحدات السكنية. كما ستوفر المباني الأكثر إحكاماً وشبكات النقل المحسنة طرق هروب أسهل في حالة الكوارث المستقبلية.
من الواضح أن هناك توازنات معقدة بين المطالب المتعلقة بالسرعة والكفاءة والحساسية للديناميكيات الاجتماعية غير الملموسة للمجتمعات المحلية. وهذا يمثل تحدياً أكبر في مكان له أهمية تاريخية وثقافية ودينية مثل أنطاكيا، التي تأسست حوالي عام 300 قبل الميلاد، وكانت واحدة من أكبر المدن في الإمبراطوريات السلوقية والرومانية والبيزنطية، فضلاً عن كونها نقطة انطلاق رئيسية على طريق الحرير التجاري الذي يربط أوروبا بآسيا.
قد يكون من السهل الوقوع في الخطأ في مثل هذه المشاريع. أراني ديميرسي صورة لبعض أبراج المباني ذات المظهر القاسي، ورفض بدبلوماسية ذكر الموقع («ربما في تركيا أيضاً»). يمكن إنشاء المباني السكنية في غضون أشهر، ولكن النتيجة قد تكون «مسكناً ضخماً» خالياً من التجارة أو الثقافة، وحيث يتردد الناس في العيش. وعلى النقيض من ذلك، يمكن للنشاط البشري أن يعيد تأكيد نفسه بسرعة حتى في المجتمعات المدمرة، مع ظهور المتاجر وسط الأنقاض ومدن الحاويات في هاتاي.
وقد استفاد المخططون من خبرة مشاريع إعادة الإعمار السابقة بعد الزلازل، مع التركيز بشكل خاص على تجربة اليابان التي شددت على أهمية الحصول على دعم الأطراف المحلية في جهود إحياء المجتمعات في أعقاب كارثة عام 2011. كما قاموا بتجنيد مهندسين محليين وخبراء آخرين من بين ما يقرب من 1000 شخص للعمل على إعادة التصميم، وعقدوا اجتماعات عامة وورش عمل لبناء التوافق. وقال دميرسي، إن هذه الشفافية منحت مشروع أنطاكيا درجة عالية من الدعم المحلي.
إن مرحلة التصميم التي انتهت الآن، ليست سوى الخطوة الأولى. وسيجلب التنفيذ تحدياته الخاصة لمشروع من المتوقع أن يستغرق الانتهاء منه 10 سنوات. من الضروري متابعة تقدم تجديد أنطاكية. وبغض النظر عن كيفية سير الأمور، ستكون هناك دروس مستفادة.
ماثيو بروكر
كاتب عمود في بلومبرج أوبينيون يغطي الأعمال والبنية الأساسية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج أند سينديكيشن»