وقعت المنطقة برمتها فريسة تطرف الحكومة الإسرائيلية من جهة وأعمال الميليشيات التي تأتمر بتعليمات خارجية لا تهمها مصلحة شعوب المنطقة من جهة ثانية، فأصبح مصير العرب في المنطقة برمتها على المحك جدياً بعد تطور الأحداث في لبنان بشكل دراماتيكي، وفي سوريا أيضاً.
إسرائيل اليوم تعتبر أن لديها المبرر القوي لاستمرار أعمالها العسكرية على قطاع غزة والتي تطال الضفة أيضاً، لكن أعمالها انتقلت إلى ضرب الأراضي اللبنانية بسبب إصرار «حزب الله» على سياسته ونهجه؛ بالرغم من أنه يواجه خسارات فادحة على صعيد قياداته العسكرية والسياسية وأسلحته التي وصلته  عبر سوريا غالباً.
منذ أن أعلن الحزب ما أطلق عليه عملية «إسناد غزة»؛ لم تتورع إسرائيل عن ضربه في معقله بالجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع، والدمار الذي ما تزال غزة تشهده؛ قد بدأت مناطق متفرقة من لبنان تشهده، لكن من يدري ما سيحل بلبنان كاملاً إنْ استمر الحزب بسياسته وبتعنته وبتبعيته لقرار الخارج الذي يريد مصلحته فقط من دون أن يهتم بمصير شعوب دول المنطقة، التي تدفع الثمن باهظاً على صعيد الأرواح والبنية التحتية والموارد على تنوعها، خصوصاً وأن إسرائيل ما تزال تطارد قيادات الحزب الميدانيين أينما كانوا، ومن بينهم الموجودون في سوريا واتخذوا مقاراً لهم بين المدنيين، فتغير عليهم إسرائيل بطائراتها، وتدمر مخازن أسلحتهم، حتى إنها بدأت بضرب مواقع تتبع قوات أخرى، كما فعلت حين استهدفت مستودعات الروس في مطار حميميم السوري، ولا أعتقد أن هذا التصرف يبتعد كثيراً عن محاولات إسرائيل لتوسعة رقعة الحرب التي تخوضها منذ عام في منطقتنا المنكوبة أصلاً، وذلك من خلال سعيها نحو توريط المزيد من الأطراف.
الأخبار التي تتوالى من فلسطين ولبنان وسوريا تؤكد أن شهية نتنياهو مفتوحة لحصد أكبر قدر من المكاسب التي تحقق له الاستقرار كرئيس لوزراء إسرائيل، والذي تطاله اتهامات بقضايا فساد. ولعل قتل أمين عام «حزب الله» وغيره من قياديي الحزب والحرس الثوري سيحقق له مراده. ومن يدري من هو الهدف الجديد له، لكن بالتأكيد أصبح مستقبل الحزب ضعيفاً، وهي الحقيقة التي لا يريد أن يصدقها جمهوره الرافض للإنصات لصوت الواقع والعقل. فما الذي جناه لبنان من كل ما حدث؟
سؤال جدي والعقلاء يعرفون إلى أي حضيض وصل لبنان بعد أن استقوى الحزب على أبناء جلدته اللبنانيين كلهم، واختطف قرار لبنان الدولة لغاياته ومصالحه فقط، ثم وبمساعدة قوى خارجية استقوى على السوريين كذلك، وكلاهما - اللبنانيون والسوريون - يدفعون ثمن مغامرات وجرائم عناصر الحزب وغيره من الميليشيات الطائفية.
لبنان ومنذ عام 2005 على الأقل، تعرض لخضات كبيرة من بينها؛ اغتيال العديد من شخصياته السياسية والأمنية المؤثرة، وقيام حرب تموز 2006 بالخراب الذي أحدثته على جميع المستويات، وتعطيل الانتخابات الرئاسية والنيابية عدة مرات، والفساد المالي و«تفليس» الدولة والمصرف المركزي، ولجوء الناس إلى الهجرة من بلدهم مضطرين، وأخيراً نزوح كثيرين من المناطق الحاضنة للحزب وغير الحاضنة له، ولجوء من استطاع منهم لبلدان أخرى.
كم كنت أتمنى لو أن قيادات الحزب التي ما تزال على قيد الحياة تستوعب دروس الماضي والحاضر وتقرر تسليم الدولة اللبنانية السلاح بهدف كف يد إسرائيل عن لبنان نفسه، وعن سوريا وصولاً إلى العراق، لكن يبدو أن قيادات الحزب وغيرها من الميليشيات الطائفية ماضية بلبنان والمنطقة كلها إلى الهاوية بسبب اتباعها توجيهات خارجية، وتعاميها عن المصلحة العامة.
لن تكف إسرائيل عن ضرب كل من يضربها، ونهاية هذه الطريق محتومة ومحسومة، وحصاد ما يحدث الآن ليس النصر كما يدعون، إنما هو مرٌّ وخرابه كبير. وهذا ليس من باب التوقع، إنما قراءة بسيطة لما بين كلمات كل الأطراف التي أدخلت نفسها في مستنقع لا خلاص منه.