لم يكن جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، يبالغ عندما وصف زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، للولايات المتحدة الأميركية بأنها تاريخية، خصوصاً وأنها الزيارة الرسمية الأولى من نوعها لرئيس إماراتي منذ إعلان قيام دولة الاتحاد في ديسمبر عام 1971، ثم إنها جاءت في توقيت بالغ الحساسية نظراً لما تمر به منطقة الشرق الأوسط من اضطرابات وتصاعد مرعب للحروب الدائرة فيها، مع تسارع حدة الصراعات واتساع رقعتها في الأسابيع الأخيرة، الأمر الذي يهدد بالفعل بتحول المنطقة برمتها إلى بركان يصعب إخماد حممه، فضلاً عن تواصل الحرب الروسية - الأوكرانية، والتي برز فيها دور الإمارات إيجاباً نظراً لعلاقتها مع طرفي الصراع، وهو ما مكنها بالقيام بدور الوسيط أكثر من مرة في عمليات تبادل الأسرى.
إن الثقل الذي تتمتع به دولة الإمارات ودبلوماسيتها النشطة، ودورها البارز في العديد من الملفات الدولية، تدفع بنا نحو الأمل بأن تسفر الزيارة واللقاءات المتعددة التي عقدها صاحب السمو رئيس الدولة مع كبار الساسة في واشنطن، وبالتالي تهيئة الظروف لتهدئة الأجواء، ووضع حد لمعاناة الملايين في المنطقة.
ولا شك أن تلك الزيارة سمحت لكل من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد والرئيس الأميركي جو بايدن بالتباحث حول تعزيز علاقات الصداقة والشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين البلدين، وتحديداً ما يتعلق بالشؤون الاقتصادية والتجارية والاستثمارية وتكنولوجيا الفضاء والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، ومسألتي التغيّر المناخي والاستدامة.
ولا انحياز لبلدنا إنْ قلنا إن الولايات المتحدة تنظر إلى الإمارات كشريك إقليمي لكونها تحتضن نحو 60 ألف أميركي وآلاف الشركات، كما تستقبل سنوياً حوالي مليون سائح أميركي، ثم إن سجلها حافل على صعيدي التنمية والاستثمار، وخبرتها مهمة فيما يخص الوساطات لحل الصراعات والخلافات اعتماداً على علاقاتها الوثيقة مع القوى الدولية الفاعلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة نفسها.
ومن جهة ثانية، ينظر الأميركيون إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، كزعيم يمتلك رؤية متقدمة، وقد نجح في ترسيخ دور الإمارات عالمياً كشريك فاعل في صنع المستقبل، ودعم الجهود لدفع مسيرة السلام والتنمية المستدامة، وهو ما عزز مكانتها كعاصمة عالمية للسلام والتعايش الإنساني.
إن الحديث المشترك والإيجابي بين زعيمي الدولتين يجعل زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للولايات المتحدة تاريخية، ولا شك بأنها علامة مضيئة في مسار العلاقات الوثيقة بين الدولتين، وستؤسس كذلك لمرحلة قادمة مزدهرة قامت بالأساس على الشراكة الإيجابية بينهما في الماضي، واليوم هي ماضية نحو آفاق أوسع.
إلى جانب ما سبق، وعلى الرغم من جدول الأعمال المزدحم لصاحب السمو رئيس الدولة، إلا أنه قام بزيارة إنسانية للمستشفى الوطني للأطفال الذي أسهمت الإمارات مادياً في إنشائه، وهي تدعمه باستمرار بما يحتاج إليه من أجهزة، ومعدات تعزز فرص إنقاذ حيوات الأطفال المرضى.
كذلك الأمر بالنسبة للطلبة الإماراتيين المبتعثين للدراسة في الجامعات الأميركية. فقد حرص سموه على لقائهم خلال زيارته للولايات المتحدة، والاستماع إليهم لتذليل أي عقبات تواجههم، وذلك في سبيل دعمهم لإتمام برامجهم الدراسية، وحثهم على التميز والتفوق ثم العودة للعمل في مختلف القطاعات في الدولة، وهو ما تلخصه الكلمة التي قالها لهم فيها (نريدكم دائماً متميزين ومتفوقين لأننا نراهن على النوعية. ونحن اليوم نستثمر فيكم ونعتبر هذا أفضل استثمار للمستقبل).