انعكاساً لانتهاج دولة الإمارات العربية المتحدة استراتيجية «الاستقلال الاستراتيجي» في إدارة علاقاتها الدولية، تتوالى الزيارات رفيعة المستوى التي تعكس قدرتها المتنامية على المستويات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، وفي مقدمتها زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى واشنطن، والتي تكشف الثقل الدولي الذي تتمتع به الإمارات، وتوضح أنماط وآليات تحركاتها عالمياً. فالزيارة تسبق المشاركة الأولى للإمارات في قمة «بريكس»، والمقررة في مدينة قازان الروسية في أكتوبر المقبل، وتأتي عقب زيارة صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، لكل من الصين وكوريا الجنوبية، في مايو الماضي، مما يعكس الدبلوماسية النشطة التي تتبعها دولة الإمارات عالمياً، والتي تستند إلى الاستقلالية الدولية في التحركات الخارجية، بغية تعظيم الفرص المتاحة، وفتح مزيد من الآفاق لفرصِ تعاونٍ أعمق مع مختلف القوى الدولية.
وتبرز أهمية زيارة صاحب السمو رئيس الدولة إلى الولايات المتحدة الأميركية، والتي تأتي بعد استقبال دولة الإمارات رئيسَ الوزراء الهندي في أغسطس الماضي، في ضوء توجه الإمارات كفاعل دولي إلى تكثيف تعاونها مع مختلف القوى الدولية الأخرى، بغية تعميق شراكاتها الاستراتيجية والتكنولوجية وتطوير برامج التصنيع الدفاعي المشترك والارتقاء بمستوى العلاقات الاقتصادية، وتوظيف التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي وأحدث التقنيات العالمية في مسيرة الإمارات للتنمية والبناء، فضلاً عن توظيف القوة الناعمة للدولة لتعميم مناخ الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة والعالم، لتترجم كل ذلك من خلال إنجازات ومكتسبات، تضاهي بها كبريات الدول.
لذلك، فبينما أفضت زيارة الصين إلى توقيع 19 اتفاقيةً ومذكّرةَ تفاهم لتعزيز التعاون بين الدولتين في مجالات عدة، وزيارة كوريا الجنوبية إلى دعم أوجه التعاون الثنائي في مجالات مختلفة، منها التقنيات النووية الحالية والمتقدمة، وتعزيز النمو الاقتصادي وأمن الطاقة، فإن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى الولايات المتحدة، قد عبَّر عنها معالي الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، بأنها زيارة تاريخية عنوانها المستقبل، فدولة الإمارات عقدت العزم على أن تكون شريكاً فاعلاً في التطور التكنولوجي العالمي.
وبينما يتنامى الاهتمام العالمي بالتوجهات الإماراتية، ودورها المتعاظم إقليمياً ودولياً، على جميع الصعد والمستويات، فإن الإمارات، بدورها، تواصل حضورَها العالمي وتعزيز نفوذها الدولي وتوسيع شراكاتها السياسية والدفاعية الدولية، مع الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية الأخرى، وكذلك مع مختلف القوى الآسيوية، مستنيرةً بفكر ورؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في تعزيز نهج التنمية المستدامة، وتوجيه الموارد نحو بناء مستقبل مزدهر للأجيال القادمة.
لقد استطاعت دولة الإمارات، بفضل الرؤية الاستشرافية للقيادة الرشيدة، تعزيز مكانتها كوجهة اقتصادية واستثمارية عالمية، من خلال تبني سياسات واستراتيجيات رائدة ومرنة، للتحول نحو نموذج اقتصادي جديد قائم على التكنولوجيا والمعرفة والابتكار والاستثمار في الكفاءات البشرية، ويعزز التعاون الإماراتي في هذا المجال مع الولايات المتحدة ومن قبلها الهند وكوريا الجنوبية والصين، تطوير اقتصاد متطور قائم على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة.
إن الرؤية الرشيدة لصاحب السمو رئيس الدولة عكست محركات تصاعد الدور الدولي للإمارات وأسباب تنامي تحالفاتها وعلاقاتها الدولية، والتي انعكست في أن تكون ضمن مجموعة من التحالفات الدولية الفاعلة، مثل «بريكس»، وأن تصبح جزءاً رئيسياً من خريطة مبادرة «الحزام والطريق» وكذلك فاعلاً رئيسياً في مشروع ممر «الهند-الخليج-أوروبا»، وأن تنخرط كذلك في دعم مشروع «ممر التنمية»، الذي يُعد جزءاً من خطط تطوير «الممر الأوسط» العابر لأوراسيا من حدود الصين حتى أوروبا.
ومن جانب آخر، فإن زيارات صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، للولايات المتحدة وغيرها من القوى الدولية الأخرى، تأتي في توقيت بالغ الدقة، تشهد فيه المنطقة والعالم تطورات متسارعة ومتشابكة، ما يشير إلى سعي الإمارات إلى التأسيس لحراك دولي يُسهم في عودة الأمن والاستقرار، خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني الكثيرَ من أسباب التوتر. لقد اعتادت الإمارات الأخذ بزمام المبادرة، للتشاور والحوار، ومكافحة كل صور التطرف والإرهاب، وقيادة العمل الإنساني على المستوى العالمي، حيث تدرك قيادتنا الرشيدة أن تحقيق التنمية مرتبط بالضرورة بتوفير الأمن والاستقرار.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية