عند مشاهدة خطاب دونالد ترامب أو مؤتمره الصحفي أو مقابلته أو منشوره على وسائل التواصل الاجتماعي أو مناظرته وتحليلها بنجاح، يتعين على المرء أن يضع أمرين في الاعتبار.
أولاً، أن الرئيس السابق يرتجل بشيء من البلاغة، وقد أصبح يكافح لمتابعة سلسلة الأفكار من البداية إلى النهاية. إنه يتحدث بشكل غامض ومختصر، ويقفز من موضوع إلى آخر في محاولة لربط الأفكار، في خلاف للطريقة المتبعة في الأوراق البحثية الجامعية.
فكر في إجابته على سؤال بسيط يتعلق برعاية الأطفال خلال ظهوره مؤخراً أمام النادي الاقتصادي في نيويورك: «حسناً، كنت سأفعل ذلك. ونحن نجلس الآن كما تعلمون، كنتُ شخصاً وكان لدينا السيناتور ماركو روبيو وابنتي إيفانكا، وكان لهما تأثير كبير في هذه القضية. إنها قضية بالغة الأهمية. لكني أعتقد أنه عندما تتحدث عن نوع الأرقام التي أتحدث عنها، فإن رعاية الأطفال هي رعاية الأطفال. إنها لا يمكن كما تعلمون، إنها شيء يجب أن يكون لديك. في هذا البلد، يجب أن يكون لديك. لكن عندما تتحدث عن هذه الأرقام مقارنةً بنوع الأرقام التي أتحدث عنها من خلال فرض ضرائب على الدول الأجنبية بمستويات غير معتادة عليها، لكنها ستعتاد عليها بسرعة كبيرة ولن يمنعها ذلك من التعامل معنا، ولكنها ستدفع ضريبة كبيرة للغاية عندما ترسل المنتجات إلى بلدنا».
إذا كان هناك أي شيء جوهري في هذا الكلام، فهو غائب وسط ضباب كثيف.
ولم يكن باقي الجواب أكثر وضوحاً، إذ ينم عن الافتقار إلى برنامج سياسي مكتمل. ويصر ترامب على أن التعريفات الجمركية التي فرضها، إذا تم تمريرها كقانون، ستمكّن من جمع تريليونات الدولارات التي يمكن للحكومة الفيدرالية من خلالها دعم رعاية الأطفال. وفي الواقع، ووفقاً لمركز سياسة الضرائب، فإن التعرفات الجمركية العالمية بنسبة 10% والتعرفات الجمركية بنسبة 60% على السلع الصينية التي اقترحها الرئيس السابق من شأنها أن ترفع فعلياً أسعارَ معظم السلع، وترفع الضرائب على معظم الأسر، وتبطئ النمو الاقتصادي وتقلِّل من عائدات الضرائب على الشركات والأفراد.
وهذا يقودنا إلى الشيء الثاني الذي يجب أن تضعه في اعتبارك إذا كنت تريد أن تفهم ترامب. قد يتحدث بغضب، لكن حديثه ليس متماسكاً، فهو يحمل معنى، حتى لو كان من الصعب العثور على الإشارة وسط الضوضاء. إذا كان الرئيس السابق قد أوصل أي شيء في خطاب النادي الاقتصادي، فهو أنه كان جاداً بشأن متابعة التعريفات الجمركية إذا حصل على فترة ولاية ثانية في البيت الأبيض. وأكثر من ذلك، كان ترامب يخبر أنصارَه بأنه سيبني اقتصادَ الأمة بخطة تجارية لانتزاع ثروات العالَم، خاصة ثروات الصين، وإعطائها للولايات المتحدة!
في مطلع الأسبوع الماضي، بعد تجمع حاشد في ويسكونسن، وعد فيه بأن عمليات الترحيل الجماعية ستكون «دموية»، هدد ترامب بسجن خصومه السياسيين، بما في ذلك المانحون «الديمقراطيون»، والعاملون السياسيون، و«الناخبون غير الشرعيين» ومسؤولو الانتخابات. وكتب على منصة «تروث سوشيال» Truth Social: «ستكون انتخابات 2024، مباشرة بعد بدء التصويت، تحت التدقيق المهني الوثيق، وعندما أفوز، ستتم محاكمة أولئك الأشخاص الذين غشوا إلى أقصى حد يسمح به القانون، والذي سيشمل أحكاماً بالسجن لفترات طويلة». وتابع: «سيتم البحث عن المتورطين في سلوك مجرد من الضمير، والقبض عليهم، ومحاكمتهم بمستويات، للأسف، لم نشهدها من قبل في بلدنا».
وفي اليوم التالي، لجأ ترامب إلى موقع «تروث سوشيال» مرة أخرى لتحذير أتباعه من طوفان من بطاقات الاقتراع البريدية «الاحتيالية» في ولاية بنسلفانيا. وقال: «سنفوز بولاية بنسلفانيا بفارق كبير، ما لم يُسمح للديمقراطيين بالغش. يجب على اللجنة الوطنية الجمهورية أن تنشط الآن!».
كل ما قاله ترامب في المنشورين مخالف للواقع، فلم يكن هناك احتيال أو «غش»، كما أعلن، في انتخابات عام 2020. لقد خسر ترامب في انتخابات حرة ونزيهة وآمنة ضد خصم تفوق عليه، لا أكثر ولا أقل. ولا توجد مجموعة كبيرة من بطاقات الاقتراع البريدية الاحتيالية في ولاية بنسلفانيا. قد لا تكون رسائل ترامب على منصة «تروث سوشيال» هذه مبهمة، ولكن وفقاً لقاعدتنا الأولى لترجمة ترامب، فهي مغالطة.
ووفقاً لقاعدتنا الثانية، ما تزال هذه المنشورات مليئة بالمعنى. فترامب، وبطريقته المعتادة، يشرح بالتفصيل أحدَ الوعود الرئيسية لحملته: الانتقام من أعدائه السياسيين. وإذا انتُخب ترامب في نوفمبر، فسيحاول استخدام سلطة الحكومة الفيدرالية لمضايقة وحتى اعتقال معارضيه. وإذا كان وعده بترحيل أكثر من 20 مليون شخص من الولايات المتحدة هو سياسته لاستئصال الأعداء «الأجانب» المفترضين في الجسم السياسي، فإن هذا الوعد بمقاضاة معارضيه هو خطته المقابلة للتعامل مع أعداء الأمة المحليين، كما يراهم. أو كما قال العام الماضي، في نيو هامبشاير، «نحن نتعهد لكم بأننا سنستأصل الشيوعيين والماركسيين والفاشيين والبلطجية اليساريين المتطرفين الذين يعيشون مثل الحشرات الضارة داخل حدود بلدنا».
ورغم أن البعض لا يأخذ ذلك الكلام على محمل الجد (بما في ذلك الصحافة نفسها)، فمن الصحيح عموماً أن الوعود الرئاسية تترجم إلى أفعال رئاسية. وعلى مدى السنوات التسع الماضية، كان من الصحيح بشكل قاطع تقريباً أن الدليل الأكثر موثوقية على تصرفات ترامب هو كلماته الخاصة. فقد أراد حظر دخول المسلمين، وحاول ذلك بالفعل. وأراد التضييق على المهاجرين واللاجئين، وفعل ذلك أيضاً. وقال إنه سيشك في نتائج أي انتخابات يخسرها ويرفضها، وشكك في نتائج الانتخابات التي خسرها ورفضها.
إن دونالد ترامب يعبر بطريقته الخاصة عن وجهة نظره بشأن معظم القضايا. لكن فيما يتعلق بمسألة خصومه السياسيين، فهو واضح. سيعاقبهم إذا أعطيناه السلطة للقيام بذلك.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»