في العالم العربي ليس هناك نظام واضح لنشر المعلومات، وفي الغالب يتجه بعضهم إلى عدم النشر، ظناً أن ذلك قد يكون أفضل من مواجهة التفاصيل أو قيام حوار فكري حول مصداقيتها، وربما تأتي الأخبار المغلوطة والتسريبات الكاذبة لتشوه الحقائق، وأحياناً تخدع بعضهم وتبث حالة من الضبابية.
أما في بعض دول العالم الغربي، غالباً تنشر الوثائق عن الوقائع بعد مرور ثلاثة عقود من ساعة حدوثها، أي بعد مرور جيل كامل، وهي مدة كافية لعدم الاكتراث بها إلا في مجال اهتمامات المختصين.
أما المعلومات السائدة، فإنها تنشر مبتورة وناقصة ومجهولة المصدر في بعض الأحيان، أو يوزع مدادها بين مختلف الجهات، بحيث يتعب الباحث عن الحقيقة بين الكم الهائل من الدفق اليومي الوصول إلى النتائج الصحيحة.
الحقائق التي تنشر عبر المصادر الموثوقة، تظل الملاذ الآمن للحصول على معلومات صحيحة، وإفادات تعكس الواقع.
ففي مجال السياسة، يتم الاعتماد على البيانات الموثوقة، وما دون ذلك لا يعدو كونه سيناريوهات وتكهنات قد تؤدي إلى إرباك متخذ القرار، وهناك من يبث معلومات لجس النبض، أو معلومات عبارة عن أنصاف أو أرباع الحقائق، وهي أقرب إلى اللغز الغامض منها إلى حقيقة يبنى عليها قرار سليم.
وهناك تفاصيل آنية، هي الغالبة، فسرعان ما يتم تغييرها من دون سابق إنذار، بحيث تلاحقها التساؤلات الخالية من المعلومات المفيدة لمتخذ القرار في أي شأن مجتمعي.
وأبرز مثال على التلاعب بالتفاصيل، ما جرى طوال سنوات ما سمي بـ«الربيع العربي» وهي عكست كل الفصول إلا الربيع، فأميركا وحدها أعدت لهذا الحدث المزلزل أكثر من سبعة عشر سيناريو للتعامل معه، الذي خرج عن الطوق إلى أنفاق مظلمة باتجاه واحد عنوانه الرئيس «الفوضى»، ولكنها غير خلاقة، بل خانقة وفق كافة المعايير السياسية في العلاقات الدولية.
والموضوع الأكثر وضوحاً، هو جائحة كورونا «كوفيد 19»، مرت بأكثر من عشرة سيناريوهات صحية وطبية معظمها متعارضة.
وقد دار سجال طويل وتبادل اتهامات بين قوى دولية، خاصة الولايات المتحدة الأميركية والصين، ولم يتوقف ذلك الجدال حتى الساعة، بل تداخلت أنفاس المؤامرات بين جميع أطراف هذه الجائحة، سواء كانوا أفراداً عاديين أو علماء في مجال الفيروسات والبكتيريا والجراثيم، أو أطباء وأخصائيين في مجالاتهم العملية والميدانية.
وحدث لغط شديد، وخاصة على منصات التواصل الاجتماعى حول مدى فائدة بعض الاحترازات الخاصة لمكافحة هذا الوباء، فمن مصدق لها إلى غير مقتنع رغم الالتزام بسبب من العقوبات الرادعة فحسب! لكن تقديم المعلومة الدقيقة جعل بعض المجتمعات في مأمن من هذا اللغط.
وعندما جاء وقت اللقاح، كذلك دخلت الشركات على خط المنافسة في مدى فعالية هذا اللقاح مقارنة بذاك، فالصيني والأميركي والبريطاني والروسي كل واحد كان يسبح في فلكه ويروج لبضاعته.
يقال في عالم الصحافة، بأن المعلومة جزء مهم من حرية الرأي فإنها كذلك في شتى مجالات الحياة. وعندما تغيب الحقيقة بغياب المعلومة الدقيقة، فإن الميدان يخلو لإشاعات ونظريات المؤامرة حتى لو نشرت بعد ذلك معلومة صحيحة، يُساء الظن بها، وإنْ كانت هي الحقيقة رغم نسبيتها؟!
وزبدة هذا الموضوع، وجدتها لدى العقاد في قاعدة ذهبية نشرها في عام 1953، بصحيفة «الأخبار» المصرية عندما أشار إلى سؤال يتردد صداه اليوم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تساءل العقاد قائلاً: كم يبقى من حقائق التاريخ من جيل إلى جيل؟
بل كم يبقى من حقائقه في الجيل الواحد، بين المعلوم والمجهول، وبين المألوف والمستغرب، وبين حسن النية، والنية التي تسوء وتسيء ثم تصر على السوء والإساءة؟
*كاتب إماراتي