يوم الاثنين الماضي، أعلنت نائبة الرئيس كمالا هاريس أمام حشد من جماهير بيتسبرغ (ولاية بنسلفانيا) أنها تعارض صفقة استحواذ أكبر شركة يابانية للصلب على شركة «يو إس ستيل» الأميركية التي تتخذ من بيتسبرغ مقراً لها. وبعد ذلك بيومين، كتب زملائي في صحيفة «واشنطن بوست» أن الرئيس جو بايدن يعتزم الإعلان قريباً عرقلة الصفقة رسمياً لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
وكخطوة تحركها حساباتٌ سياسية قصيرة الأمد، تبدو هذه الخطوة منطقية: فهاريس تتودد إلى الاتحاد العمالي لنيل دعمه لترشحها للرئاسة في ولاية بنسلفانيا المهمة. أما خطوة بايدن، فإنها قد تكلّفنا وظائف في قطاع الصناعة الأميركي، وتضر بالعلاقات مع حليف رئيسي، وتقوّض استراتيجية إدارته للتنافس اقتصادياً واستراتيجياً مع الصين. 
والواقع أن هناك إجماعاً على أن شركة «يو إس ستيل»، التي كانت ذات يوم أكبر شركة في العالم، في حاجة ماسة إلى المساعدة. فبعد عقود من التدهور البطيء، باتت الشركة تفتقر إلى الموارد اللازمة للتنافس مع الشركات الصينية الضخمة المملوكة للدولة. فالعام الماضي، كانت 6 من أكبر 10 شركات لإنتاج الصلب في العالم صينية، فيما احتلت شركة «يو إس ستيل» المرتبة 24. ولهذا، فإنه لم يكن أمام «يو إس ستيل» خيار آخر سوى البحث عن استثمار خارجي. 
العرض الذي قدّمته شركة «نيبون ستيل» (رابع أكبر منتج للصلب في العالم) كان الأكثر جاذبية إلى حد بعيد، وفي أبريل، وافق عليه 98% من المساهمين في شركة «يو إس ستيل». وإدراكاً منها للمعارضة السياسية التي تواجهها، تعهدت الشركة اليابانية باستثمارات إضافية بقيمة 3 مليارات دولار في منشآت التصنيع الأميركية، بما في ذلك مصانع الاتحاد العمالي في ولاية بنسلفانيا.
الحوافز السياسية التي حدت ببايدن لعرقلة الصفقة بديهية. فالرئيس السابق دونالد ترامب ونائبه السيناتور جيه دي فانس، بميولهما نحو الحمائية، لطالما عارضا عملية الاستحواذ، وفي مارس، أعلن بايدن أيضاً معارضته للصفقة. وعلى ما يبدو، فإن إعلان هاريس يوم الاثنين إنما هدفه كسب دعم اتحاد «عمال الصلب المتحدين»، الذي يعارض الصفقة.
هاريس قالت: إن «يو إس ستيل» شركة أميركية عريقة. ومن الأساسي أن تحافظ بلادنا على شركات الصلب الأميركية القوية، مضيفة «يجب أن تظل شركة (يو إس ستيل) مملوكة لأميركيين وتدار من قبل أميركيين. وسأدعم دائماً عمال الصلب الأميركيين».
الصفقة خضعت للفحص والتدقيق من قبل «لجنة الاستثمار الأجنبي» في الولايات المتحدة، وهي الجهة المكلفة بفحص مثل عمليات الاستحواذ هذه من حيث تداعياتها على الأمن القومي. وبعد تلقي تقرير اللجنة، وبغض النظر عن توصياتها، يجوز للرئيس أن يختار منع أي صفقة يعتقد أنها تنطوي على مخاطر على الأمن القومي لا يمكن تخفيفها بشكل معقول.
ولكن المشكلة هي أن لا هاريس ولا بايدن شرحا المقصود بـ«الأساسي» في منع استحواذ أكبر حليف للولايات المتحدة في المحيط الهادئ على واحدة من أكبر شركات الصلب الأميركية. 
فالولايات المتحدة تثق في اليابان لتستضيف على أراضيها عشرات الآلاف من القوات الأميركية، ولاقتناء بعض من أكثر التكنولوجيا العسكرية الأميركية تقدماً. ثم إن شركة «نيبون ستيل» تمتلك أصلاً حصصاً في العديد من شركات الصلب الأميركية الأصغر حجماً. وليس هناك اعتماد عسكري أميركي على شركة «يو إس ستيل». فما هو بالضبط السيناريو المستقبلي المحتمل الذي يمكن أن تضر فيه الملكية اليابانية لشركة «يو إس ستيل» بأميركا؟ الواقع أنه ما لم تنقلب اليابان يوماً ما لتصبح حليفة للصين أو روسيا (وهو أمر مستبعد) ثم تقطع إمداداتنا من الصلب على نحو ما (وهو أمر مستبعد أكثر)، فإنه لا يوجد سيناريو من هذا القبيل. 
في الحقيقة اليابان هي أفضل صديق لأميركا في آسيا، خاصة حينما يتعلق الأمر بالتحدي الصيني. كما تُعد اليابان ركيزة أساسية في الاستراتيجية الاقتصادية لإدارة بايدن لمواجهة هيمنة الصين على صناعات رئيسية مثل تكنولوجيا الطاقة الخضراء وتصنيع الرافعات. وهاريس، على وجه التحديد، كانت جزءاً من هذا الجهد، كما كنتُ شاهداً على ذلك شخصياً خلال سفري معها إلى إندونيسيا العام الماضي.
خطة إدارة بايدن لعرقلة صفقة الصلب تأتي في الوقت الذي تضغط فيه على اليابان من أجل التوقف عن بيع تكنولوجيا أشباه الموصلات المتقدمة للصين. والحقيقة هي أن اليابان تبدي تعاوناً، ضد مصالحها الاقتصادية الخاصة، لدرجة أنها تجازف بالتعرض لإجراءات انتقامية من بكين. ومع ذلك، فإن الإدارة الأميركية تعمل الآن على تقويض الحجة نفسها التي تدفع بها من أن اليابان والولايات المتحدة حليفتان في مواجهة هذه المنافسة الاقتصادية مع الصين. 
والأدهى من ذلك هو أن تصرف الإدارة الأميركية سيؤدي على نحو مؤكد إلى سنوات من التقاضي بشأن عقد شركة «نيبون ستيل» السليم قانونياً. وفي غضون ذلك، ستجد شركة «يو إس ستيل» صعوبة في إثارة اهتمام مقدمي عروض جدد وقد تضطر للانكماش أكثر، مما سيضر بعمال النقابات أنفسهم الذين يقول بايدن وهاريس إنهما يهتمان بهم.
وهناك حجة يدفع بها البعض بحسن نية ضد صفقة «نيبون ستيل» مؤداها أن اليابان نفسها معروفة باتباع سياسة حمائية بشأن صناعاتها المحلية، ويجدر بأي رئيس أميركي أن يشدد على مزيد من المعاملة بالمثل من باب الإنصاف. ولكن هذه ليست الحجة التي يسوقها بايدن وهاريس اللذان يتذرعان، على غرار ترامب، بمخاوف أمن قومي لا تصمد أمام التدقيق.
وخلاصة القول إن الاستثمار الياباني في وظائف التصنيع الأميركية أمر جيد. وإذا كانت اليابان حليفاً مهماً لنا حقاً، فيجدر بنا أن نعاملها على هذا الأساس.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سيندكيشن»