هناك أمر مهم لا بد من الالتفات إليه، ونحن نتناول قضية التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي التي أخذت من وقت الشباب الصغار عمراً طويلاً، مقارنة بصغر سنهم. فلا بد من إدراك أن أطفالنا اليوم منذ الصغر «خبراء» في استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة كافة، ولكنهم يفتقرون إلى الوعي الذاتي والاجتماعي في كيفية الاستفادة الرشيدة من المحتوى المعرفي والعلمي والثقافي المعروض على الفضاءات الرقمية المفتوحة، حيث إنه محتوى يتدفق دون أية ضوابط أو قواعد رادعة عند التصادم مع الآخرين في ما يطرحون من قضايا لا تخطر على البال، ولكنها تؤثر في واقع الحال.
تصور عندما ينشأ الطفل الذي لا يتجاوز عمره بين العاشرة والخامسة عشرة على يد «المعلم جوجل»، ومن خلف هذا المعلم تشكيلات من البشر، كل واحدة منها تجر قرص المحتوى تجاه فكرها وقناعاتها.
ومن في هذا العمر، ينقصه كثيراً تاريخ المحتويات التي تطرح للنقاش المفتوح على علاته وعواهنه، من غير رقابة ولا ذرة من وعي في أذنه كما قال تعالى: «أذن واعية»، ولا عين «مبصرة» ولا عقل معتبر، يدل صاحبه على أصل الخطر أو مصدر الشرر.
أذكر أنني دُعيت للمشاركة في مؤتمر خاص بالتعليم وسوق العمل بالدولة، وكان التركيز على خريجي تقنية المعلومات أو (I T)، كما يطلق عليهم، وهم أُعدوا جيداً حسب متطلبات السوق، فما الذي كان ينقصهم في مجال العمل بعد إتقان التقنية الحديثة، مهارات التواصل الاجتماعي في محيط العمل، وهو الأمر الذي لا ينبغي تجاهله، لأن النتيجة هي تحكم محتوى هذه البرامج في الفرد والتبعية الفكرية لها تلقائياً، بعد الخروج من دائرة الوعي بأنه يفقد بذلك انتماءه، فينجر إلى أفكار معلّقة لا علاقة لها بوطنه ولا بجذوره، فبذلك يسهل اصطياده من قبل المنظمات فوق الدولة، والمنصات فوق المحاسبة.
خوفنا وقلقنا على هذا الجيل شديد، فهم أبناؤنا وأحفادنا الذين تمرسوا في استخدام التكنولوجيا، وتمترسوا بها حد الإدمان لدى بعضهم الذي قد يرتبك سلوكه إن هُددَ بسحب الجهاز عنه بداعي الحفاظ عليه من الانجرار وراء الوهم أو السراب، وإن كان ما يراه ماء رقراقاً، هو في الحقيقة خيال خادع لمن خانه تاريخ المواد التي يتعامل معها عبر الإنترنت وبرامجه المغرية للأعمار كلها.
بعد هذا، ما هو المطلوب من كل جهة على حدة، وكذلك الجهات المتعاونة عبر المؤسسات الحكومية والمدنية لنشر الوعي الرشيد بين الجيلين، الأولاد والأحفاد، وهم زبدة وجوهر طاقة المستقبل في المجتمع؟!
دور الأسرة رئيس للغاية، لأنه يؤثر مباشرة في أداء أدوار المؤسسات الأخرى، حكومية أو خاصة.
المطلوب أمر في غاية الأهمية، وهو زرع بذور «المسؤولية الاجتماعية» في أثناء تربية الأفراد في البيت والمدرسة والجامعة، حتى الوصول إلى دواوين العمل، لأن تحمل المسؤولية في سن مبكرة يقي الفرد مصارع السوء في أي مجال.
تعليم هذه المسؤولية، ضرورة مجتمعية، في عملية ترشيد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، دون اللجوء إلى مرحلة حرمان الفرد منها، في زمن أصبحت تفرض نفسها في العالم أجمع، ونحن جزء منه.
وفوق ذلك كله، يجب الانتباه إلى نقطة مفصلية في هذا المجال، هو عدم تحوّل هذه التقنية إلى وسيلة إرشاد ديني وثقافي وسياسي للفرد، يتم من خلالها الاستغناء عن أهل التخصص والدراية والخبرة بشؤون الحياة اليومية، بحيث تتم المحاججة بها أمام وسائل المعرفة الأخرى.
*كاتب إماراتي