في قلب كل شتاء ربيع نابض، ووراء كل ليل فجر باسم - جبران خليل جبران. تمر بنا في الحياة تجارب صعبة تجعلنا نتوقف قليلاً ونتأمل مفردات القيم الإنسانية التي تشكل شخصياتنا وسلوكنا. وأول ما نتمسك به عند المنعطفات الصعبة من الحياة هو الأمل، فهو القيمة الإنسانية التي تحافظ على توازننا عند المنعطف. الأمل هو القوة التي تدفعنا بأن نتمسك بعجلة القيادة بقوة لنتخطاه، وهو الطاقة التي تدفعنا إلى الاستمرار في المحاولة والتمسك بالنور المختبئ خلف سحابات الألم المعتمة. وحتى في لحظات الاستقرار في الحياة، يبقى الأمل هو الدافع لاستمرار الشغف بتحقيق المزيد من النجاح والسعادة والتطور والوصول الدائم إلى الأفضل.
بتعمقنا في فلسفة الأمل، سندرك أنه أكبر من كونه مجرد شعور إيجابي، بل هو جزء رئيس من آليات الطبيعة الإنسانية ويعطي للحياة المعنى، فهو قيمة تدفع الإنسان إلى تجاوز تحدياته من خلال الإيمان بقدرته على تجاوزها، وهذا الإيمان يصبح مرشداً ذاتياً يوجهنا نحو الحياة من دون الاستسلام.
الأمل، إذا تم دعمه وتعزيزه بشكل صحيح، يمكن أن يكون له تأثير كبير على الطريقة التي يعيش بها الإنسان حياته.
في صخب الحياة اليومية التي يعيشها الأفراد سنجد أنهم يتمتعون بعلاقة إيجابية مع الأمل، ولديهم طاقة كبيرة من حب الحياة والتمسك بها مما يعطيهم القوة في التعامل مع الضغوط النفسية للحياة، وهذا يؤكد على أهميته في التوازن النفسي للإنسان وتمتعه بصحة نفسية إيجابية ويقلل من أي آثار نفسية سلبية قد يتعرض لها الإنسان نتيجة أزمات الحياة الطارئة أو الازمات اليومية، مما يخلق نوعاً من الروابط الإيجابية بينه وبين أفراد المجتمع المحيط به ويُمكن الإنسان من رؤية الحياة بصورة أكثر وضوحاً بعيداً عن ضبابية اليأس ويدفعه للاستمرار.
إن الحفاظ على الأمل حياً في روح الإنسان في مواجهة التحديات والصعوبات لا يكون إلا من خلال العمل على منحه معطيات تلك الحياة، والتي ما هي إلا مجموعة من المفاهيم والسلوكيات الإنسانية، ومنها التفكير في المستقبل المأمول بصورة إيجابية، وتطوير المرونة العاطفية والعقلية مما يساعد في التكيف مع الأوقات الصعبة، والتأمل وتنشيط الوعي وترويض المشاعر السلبية، التي تتواتر على النفس خلال الأزمات التي نواجهها، ثم ترويض النفس على الصبر والمثابرة من أجل الوصول إلى الأهداف المأمولة.
إن الشغف هو الدافع الأساسي الذي يدفع الإنسان لتحقيق الإنجازات والابتكارات في مختلف مجالات الحياة. ولكن هذا الشغف لا يمكن أن يستمر من دون وجود الأمل. الأمل هو الذي يغذي الشغف، ويمنحه القوة للاستمرار، حتى في مواجهة الإخفاقات والتحديات.
وعلى مر التاريخ، كانت هناك شخصيات عديدة تمكنت من تحقيق إنجازات عظيمة بسبب تمسكها بالأمل، حتى في أصعب الظروف. هؤلاء الأشخاص لم يسمحوا للفشل أو العقبات أن تثنيهم عن متابعة شغفهم، بل على العكس، كانوا يرون في كل تحدٍ فرصة جديدة للنمو والتطور. الأمل هو العامل الذي يحافظ على استمرار هذا الشغف، ويمنع الإنسان من الاستسلام أو فقدان الحافز.
تحكي لنا الحياة قصصاً كثيرة عن هؤلاء الذين واجهوا تحديات وأزمات غيرت مصائرهم، ولكن تمسكهم بالأمل وامتناعهم عن الشعور باليأس أن يتسرب إلى قلوبهم، واستمرارهم في التمسك بالأمل وتحويله إلى سلوك وأفعال واقعية، وسعيهم الحقيقي نحو مواجهة التحدي، نجح بالوصول بهم إلى غاياتهم.
يظل الأمل قيمة إنسانية جوهرية لا يمكن الاستغناء عنها، ويمثل بوصلة ترشدنا نحو الخروج من تحدياتنا مهما كانت صعوبتها، فدائماً المستحيل الذي نؤمن بوجوده هو استحالة فقد الأمل، ليبقى الأمل قوة دافعة تُضفي على الحياة معنى وهدفاً، لذا، من الضروري أن نسعى لتعزيز الأمل في حياتنا وحياة الآخرين، لأنه بمثابة النور الذي يرشدنا في رحلة الحياة.

*باحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي، أستاذ زائر بكليات التقنية العليا للطالبات، أستاذ زائر بجامعة الإمارات العربية المتحدة