إن تعليم المرأة ليس ترفاً، أو وسيلة لإحراز نقاط في المؤشرات العالمية، بل هو أساس لقوة المجتمع، وأي مجتمع واعٍ يدرك أن بناء المرأة أساس القوة والتقدم. ويمكِّن التعليم المرأة من تحقيق إمكانياتها الكامنة، ما يسهم في بناء مجتمع متماسك، وقوي، وقادر على مواجهة تحديات المستقبل، كما قال المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه: «لا شيء يسعدني أكثر من رؤية المرأة الإماراتية تأخذ دورها في المجتمع، وتحقق المكانة التي تستحقها».
وقد حرص الشيخ زايد -رحمه الله– منذ تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة على تعليم المرأة، وتمكينها من الحصول على حقوقها الكاملة في التعليم، كما حرص على أن تذهب إلى المدرسة، ثم الجامعة، وأنشأ لها الظروف المناسبة لتستمر في التعلم، وكان يتفقد ذلك على الدوام. وامتلك الشيخ زايد رؤية بعيدة المدى لمستقبل دولة الإمارات في بناء المجتمع وتقدمه، وعمل على تحقيق تلك الرؤية عبر توفير البيئة الملائمة التي تتيح للمرأة فرصة التعلم، والمشاركة الفاعلة في جميع مجالات الحياة باكراً. وكان -طيب الله ثراه- يرى قبل قيام الاتحاد أن قوة المرأة بتعليمها، وأنها المفتاح لصناعة مستقبل مختلف ومزدهر للدولة، فقد أكد أن المرأة نصف المجتمع، وأي مجتمع يتطلع إلى بناء مستقبل قوي يجب عليه أن يعتني بنصفه الآخر.
وتشير تقارير عالمية إلى أن تمكين المرأة عن طريق التعليم يمكن أن يضاعف تقدم المجتمع وازدهاره، وتظهِر إحدى الإحصائيات أن المرأة المتعلمة تسهم كثيراً في نهضة المجتمع، وتؤدي دوراً حيويّاً في المجتمعات بمشاركتها الفاعلة في سوق العمل والمجالات الأكاديمية والعلمية، كما أنها تعمل على رفع مستوى التعليم والرعاية الصحية، وتعزيز الاقتصاد الوطني عن طريق مشاركتها في الأعمال والمشروعات المختلفة. والأهم في كل ذلك أنها تسهم في تربية الأجيال المقبلة على نحو أكثر وعياً بنشر الثقافة والقيم الصحيحة داخل أسرتها قبل كل شيء. وتظهِر بعض الدراسات أن أبناء النساء المتعلمات يتمتعون بمستويات تعليمية وصحية أفضل، وتتوافر لهم فرص أكبر لتحقيق النجاحَين المهني والشخصي. ومن جهة أخرى ينخفض معدل الجريمة بين الأسر التي تكون الأم فيها متعلمة، إذ يسهم التعليم في نشر الوعي والثقافة القانونية والأخلاقية، وكذلك تشير تقارير إلى أن الأمهات المتعلمات يغرسن في نفوس أبنائهن دافعية أكبر نحو التعلم وتحقيق الأهداف، ما يرفع مستويات الوعي والأمن الفكري في المجتمع. وإضافةً إلى ما سبق، فإن التعليم يعزز ثقة المرأة بنفسها، ويمكِّنها من اتخاذ قرارات أفضل تخص حياتها وحياة أسرتها.
وفي المقابل، عندما لا تُتاح للمرأة فرصة الحصول على تعليم، كما هي الحال في بعض المجتمعات، تتقلَّص إمكانياتها وقدراتها على الإسهام الفعَّال في تطوير المجتمع. وتتعرض النساء غير المتعلمات للفقر والتمييز، ويعانين عدم القدرة على تحقيق استقلالهن المالي والاجتماعي. وتنعكس الفجوة التعليمية لدى المرأة سلباً على الأسرة والأطفال، إذ تؤدي إلى تدهور مستوى المعيشة، والفقر، وزيادة معدلات الأمية والجهل، والميل أكثر إلى الاختطاف الفكري، ومن هنا، فإن تعليم المرأة يُعد أساساً لاستقرار الأمن الوطني.
ولا يمكن إنكار أن تعليم المرأة يشكل العمود الفقري لأي مجتمع يسعى إلى تحقيق التقدم والازدهار، ذلك أن دعم المرأة في رحلتها التعليمية ليس استثماراً في مستقبلها الشخصي فقط، بل هو استثمار في مستقبل المجتمع بأسره. ويتعين على المجتمعات الساعية إلى التطور المستدام أن تعطي تعليم المرأة أولوية قصوى لضمان مستقبل أكثر إشراقاً واستقراراً واستدامة.
*مستشار مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية