كان المؤتمر الوطني للحزب «الديمقراطي» لعام 2024 رحلة مرهقة للعرب الأميركيين المؤيدين للحقوق الفلسطينية، وحدثاً مليئاً بالتقلبات.
ولكن بشكل عام، فإن المعترضين مخطئون، إذ أن فلسطين وأنصار الحقوق الفلسطينية كانوا من أكبر الفائزين خلال الأيام الأربعة في شيكاغو. لم نشهد تغييراً في لغة برنامج الحزب «الديمقراطي» فيما يتصل بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولا متحدثاً فلسطينياً أميركياً على المسرح الرئيسي في أوقات الذروة. ولكن قضية فلسطين كانت حديث المؤتمر، مع تحقيق انتصارات صغيرة، ولكنها انتصارات على أية حال. في يوم الاثنين الماضي، استضاف المؤتمر جلسة في موقع رسمي حول معاناة الفلسطينيين.
وشاركتُ في رئاستها مع المدعي العام لولاية مينيسوتا (عضو الكونجرس السابق) كيث إليسون. الجلسة تضمنت شهادات مُقنعة من: الدكتورة «تانيا حاج حسن» التي روت قصصاً مروعة عن الأطفال والعاملين في المجال الطبي، ضحايا الحرب في غزة، وليلى العبد، وهي زعيمة أميركية فلسطينية لحركة «غير ملتزم» التي تحتج على تواطؤ الإدارة الأميركية في هذه الحرب، والنائب السابق آندي ليفين، الذي خسر إعادة انتخابه بسبب ملايين لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (آيباك)، وهالة حجازي، وهي أميركية تنتمي للحزب «الديمقراطي» ومن أصول فلسطينية، تعمل على جمع تبرعات وفقدت العشرات من أفراد أسرتها في غزة. من بين أكثر من ثلاثين ندوة جانبية رسمية استضافتها الحملة، لم يحضر معظمها إلا عدد ضئيل من الأشخاص، ولكن جلسة فلسطين حضرها أكثر من ثلاثمائة شخص، وكان معظمهم متأثرين بشدة بما سمعوه. لم يكن ضمان الرعاية الرسمية للجلسة هو النصر الذي سعينا إليه، بل يظل هدفنا هو تغيير السياسة الأميركية. ولكن لا ينبغي لنا أن نتجاهل الاعتراف بمعاناة الفلسطينيين ومسؤولية إسرائيل والولايات المتحدة عن حرب غزة. وكان الخبر الذي يفيد بأن عائلة أميركية إسرائيلية ستتحدث من على المنصة الرئيسية عن ابنها الذي احتجزته «حماس» كرهينة هو الذي دفعنا إلى الإصرار على دعوة أسرة أميركية فلسطينية لسرد قصة عائلتهم في غزة. وتبع ذلك أيام من المفاوضات. وعندما اتُخِذ القرار بعدم دعوتهم، قاد عباس علوية، وهو زعيم آخر من حركة «غير ملتزم»، إضراباً واعتصاماً أمام المؤتمر. كان قرار الحملة هذا مؤلماً للغاية للأميركيين الفلسطينيين، وهدد بمحو الإيجابيات المكتسبة من اعتراف الحملة بالجلسة الخاصة بنا. ولكنه أيضاً سلط الضوء مرة أخرى على قضية فلسطين والجهود المبذولة لإسكات أصواتنا.
لقد عقدنا مؤتمرات صحفية متعددة وتحدثنا مع العشرات من الصحفيين لضمان استمرار مناقشة الحقوق الفلسطينية. وجاءت الدعوات لحضور متحدث أميركي فلسطيني من أعضاء الكونجرس والمنظمات الوطنية (بما في ذلك الجماعات اليهودية) والزعماء السود واللاتينيين والصحف اليهودية البارزة، وحتى الأسرة الأميركية الإسرائيلية التي تحدثت في السابق. وفي المؤتمر نفسه، ارتدى مئات المندوبين، بما في ذلك أنصار هاريس، الكوفية أو أزراراً مكتوباً عليها «ديمقراطيون من أجل فلسطين» بما في ذلك ابنة أخت هاريس.
وفي كل مرة يأتي فيها ذكر فلسطين من قبل المتحدثين في المؤتمر كانت تقابل بالتصفيق الحار. وبينما تضمن خطاب هاريس الالتزامات المعتادة بأمن إسرائيل، كانت كلماتها عن معاناة الفلسطينيين عاطفية ويتخللها التزامها «بحريتهم وأمنهم وكرامتهم وتقرير مصيرهم» - أكثر مما قاله أي مرشح رئاسي على الإطلاق.
وعلى هذا، وعلى الرغم من الألم، فإن القصة بأكملها تمثل فوزاً يجب أن نعترف به ونتبناه ونبني عليه. لقد كنت آخر عربي أميركي يتحدث عن حقوق الفلسطينيين في مؤتمر الحزب «الديمقراطي» قبل 36 عاماً، عندما قدمت خطة حملة جاكسون بشأن حقوق الفلسطينيين من على المنصة في أتلانتا. وفي الأيام التي تلت تلك اللحظة التاريخية، واجهت ردود فعل عنيفة من القوى المؤيدة لإسرائيل داخل الحزب، والتي ضغطت عليّ للاستقالة من عضوية الحزب «الديمقراطي»، لكن القس جاكسون علمني درسين مهمين.
أولا: «عندما تحقق نصرا، تمسك به ولكن لا تدير ظهرك أبدا، لأن الخناجر ستخرج للنيل منك». ثانيا: «لا تستسلم أبدا، لأن هذا بالضبط ما يريد أعداؤك منك أن تفعله. وأكثر ما يخشونه هو أن تظل متمسكا بالقتال». تنطبق هذه الدروس اليوم، مع وجود اختلاف. ففي عام 1988، آثرنا القضية كحركة قوية بقيادة جاكسون. واليوم، لا تعتمد حركة العدالة الفلسطينية على جهود زعيم، بل إنها مدعومة بالناس.
وقد نجح هذا الجهد في: تعبئة الناس لتمرير قرارات وقف إطلاق النار في أكثر من 350 مدينة، وكسب دعم النقابات الكبرى ومنظمات السود واللاتينيين والآسيويين، وهذا الجهد هو المسؤول عن مظاهرات الملايين من الأميركيين، والمخيمات في أكثر من 100 حرم جامعي، وأكثر من 750 ألف صوت في الانتخابات التمهيدية للحزب «الديمقراطي» في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وتُظهِر استطلاعات الرأي أن غالبية «الديمقراطيين» يريدون وقف إطلاق النار، وأن يكون توفير الأسلحة لإسرائيل مشروطاً، وتأمين حقوق الفلسطينيين. إن الوقت الحالي ليس مناسباً للانسحاب بغضب انهزامي. بل من الضروري أن نعترف بالانتصارات التي تحققت، وأن نواصل العمل مع الحلفاء في العملية السياسية، لأن التغيير قادم ولكن فقط إذا استمر هذا العمل. *رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن