هل جاء ترشيح الحزب «الديموقراطي» لكامالا هاريس لخوض الانتخابات الرئاسية في شهر نوفمبر المقبل، ضمن سياق استراتيجية الحزب للأربع سنوات الماضية، والأربع سنوات المقبلة؟!

أزعم أن الإجابة القريبة إلى العقل والمعطيات السياسية على الأرض هي:لا! لا أظن أن عرّابي الحزب ومنظريه ومندوبيه الكبار قد وضعوا «كامالا هاريس» في اعتبارهم يوماً ما لتكون هي المنافس «الديمقراطي» على رئاسة الولايات المتحدة لأسباب كثيرة، ربما يكون أهمها، طريقة تعاطيها مع المجتمع السياسي والجسم الإعلامي، خلال السنوات الأربع الماضية، فالحقوقية الكاليفورنية كانت منعزلة في صومعة «نائب الرئيس»، ومبتعدة تماماً عن التجاذبات السياسية والإعلامية اليومية. كانت أشبه بنظيرها في المنصب «مايك بنس» الذي جعل منه الرئيس الأميركي السابق والمرشح «الجمهوري» الحالي «دونالد ترامب» عموداً شامخاً من أعمدة البيت الأبيض الجبسية!

اختار ترامب «بنس» ليكون نائباً له لأسباب حزبية خالصة. لم يختره لأنه سياسي لامع، سيعينه على حلحلة الملفات السياسية الداخلية والخارجية. ولم يختره لأنه اقتصادي بارع، سيساعده في رسم خطة اقتصادية محكمة لأميركا المترنحة اقتصادياً منذ سنوات.

اختاره كتسوية داخلية في الحزب، تسمح لترامب بالمضي في الترشح للرئاسة قوياً ومدعوماً!. هاريس في الجهة المقابلة جاءت لمنصب الرئيس، لأنها النموذج الأبرز الذي يمثل صعود «الأقليات» وتنامي تأثيرها في الانتخابات الأميركية في العقود الأخيرة.

اختارها «جو بايدن» نائبة له، لأن أمها من الهند وأباها من جامايكا. اختارها ليكسب أصوات النساء والهنود والآسيويين والملونين الكاريبيين واللاتينيين بضربة واحدة، مضيفاً هذه القائمة إلى القائمة الطويلة من الأقليات الداعمة التي استطاع الحزب أن يسيطر عليها في العقود الأخيرة، ابتداءً بالسود وليس انتهاء بأنصار الإجهاض! وعندما فاز بايدن بالرئاسة في بداية هذا العقد، أعاد هاريس إلى مكانها الطبيعي كأحد الأعمدة في البيت الأبيض.

كانت الأمور في الحزب «الديموقراطي» تسير إلى دعم إعادة انتخاب جو بايدن في 2024، ثم البحث عن مرشح مناسب للحزب في 2028، تتوفر به الشروط الحزبية كاملة: التاريخ السياسي والقدرة على توحيد صفوف الحزب والتمكن من إقامة علاقة وثيقة مع الجماهير الأميركية العريضة. كانت الأمور تسير على هذا النحو، حتى بدأ بايدن في الخروج عن النص، فاضطُر الحزب إلى تغييره حتى لا يخسر السباق الرئاسي أمام ترامب!

وأكمل هذا الاضطرار بترشيح هاريس لتكون الوجه «الديمقراطي» في سباق الانتخابات. فعل ذلك مضطراً بسبب ضغط عامل الوقت والمفاجأة غير المتوقعة، متنازلاً، تحت الضغط، عن التاريخ السياسي والرمزية داخل الحزب وكاريزما القائد! السؤال الذي يفرض نفسه على الأحداث، هل ستتمكن هاريس من تعزيز أدبيات الحزب «الديموقراطي» المتمثلة في كسب ما يمكن كسبه من الأصوات البيضاء ثم دعمها بأصوات الأقليات المختلفة في طويل البلاد وعرضها؟ هل ستنجح في تأمين الحصة الثابتة الكبيرة للحزب من أصوات البروتستنانت الأنجلوسكسونيين البيض، أم أن انتماءها لأقلية محدودة سيجلب للحزب خسارة غير متوقعة؟

سيقول قائل إن باراك أوباما هو أيضاً ابن أقلية، وسأجيب أنه كان أسود نقياً بالإضافة إلى أنه كان ذا تاريخ سياسي وموحداً للحزب، وعنده سحر خاص في السيطرة على عقول الجماهير! طيب، هل ستخسر هاريس لا محالة؟ ليس الأمر مؤكداً، فخصمها في النهاية هو دونالد ترامب، الذي يمثل أقلية أخرى قد أفصّل فيها أكثر في مقالات مقبلة.

*كاتب سعودي