قد تواجه الهند مشاكل مع جيرانها الأصغر حجماً وقد تتقلب العلاقات بينهم، لكن الحقيقة أن الهند وجيرانها لا يستطيعون الاستغناء عن بعضهم البعض. لذلك، حتى لو مرت العلاقات بمرحلة صعبة، فإن العلاقات ستستمر دائماً في اتجاه تعزيز التعاون. ويتجلى ذلك في علاقات الهند مع دولة جزر المالديف، التي شهدت تحولاً جذرياً.

في هذا الأسبوع، زار وزير خارجية الهند الدكتور سوبرامانيام جايشانكار جزر المالديف. وكانت هذه أول زيارة رفيعة المستوى من الهند بعد فوز الرئيس «محمد مويزو» في انتخابات سبتمبر الماضي. وقد أعلنت وزارة خارجية جزر المالديف عن زيارته باعتبارها «معلماً مهماً» في العلاقات الثنائية. ووفقاً لخارجية المالديف، أعربت الدولتان عن رغبتهما في الارتقاء بصداقتهما وتحالفهما القوي لتحقيق آفاق جديدة.

ولم يكن هذا البيان والزيارة ليثيرا الكثير من الاهتمام، لولا أنهما جاءا بعد أشهر من التوتر بين المالديف والهند. فقد مرت العلاقات بين البلدين بفترة ركود منذ فاز الرئيس مويزو بالانتخابات الرئاسية في سبتمبر من العام الماضي. وعلى النقيض من سلفه «إبراهيم صليح»، الذي كان يدافع عن العلاقات مع الهند، سعى مويزو الذي خاض حملته الانتخابية على أساس «الابتعاد عن الهند» إلى تغيير سياسة بلاده التقليدية «الهند أولاً». ومنذ توليه السلطة ألغى اتفاقية هيدروغرافية مع الهند وقرر مراجعة عدد من الاتفاقيات الأخرى. كما خالف التقليد المعتاد لزيارة رئيس جزر المالديف للهند في أول رحلة خارجية له بعد أداء اليمين كرئيس، حيث قررعدم القدوم إلى الهند.

وقد تفاقم هذا بسبب تعليقات ثلاثة وزراء من جزر المالديف أدلوا بتصريحات عن الهند وقادتها بعد أن شوهد رئيس الوزراء ناريندرا مودي وهو يروج للسياحة في جزيرة «لاكشادويب» الهندية، وهي أرخبيل يتكون من 36 جزيرة. فقد فسر المالديفيون ذلك على أنه جهد لإغراء الهنود لتغيير وجهاتهم السياحية بعيداً عن جزر المالديف، وهي وجهة شاطئية شهيرة، ما أدى لشعور السياح الهنود بالفزع وتراجع السياحة في الهند.

وقد أبرزت هذه الحلقة كيف أن جيران الهند الأصغر حجماً متشابكون اقتصادياً بشكل عميق مع الهند، التي تعد واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم. وأنهم لا يستطيعون أن يفصلوا أنفسهم عن الهند. كما كان الرئيس الدكتور محمد مويزو مسرفاً في مدح العلاقات مع الهند وقال: «لقد كانت الهند دائماً واحدة من أقرب حلفائنا وشركائنا الذين لا يقدرون بثمن، حيث تسهّل وتوفّر المساعدة كلما احتجنا إليها». وأشاد بوزير الخارجية الهندي نظراً «لالتزامه الكامل بتعزيز العلاقات التاريخية بين البلدين للوصول إلى آفاق جديدة في السنوات القادمة».

وعلى نحو مماثل، مرت العلاقات بين الهند ونيبال بالعديد من التقلبات. ففي الشهر الماضي، تم تعيين السيد «كيه بي شارما أولي»، زعيم أكبر حزب شيوعي في نيبال، رئيساً لوزراء نيبال بعد تشكيل تحالف جديد. وقد حل محل «بوشبا كمال داهال»، الذي انهارت حكومته التي دامت 18 شهراً بعد أن وافق الحزب الشيوعي النيبالي الذي ينتمي إليه «أولي» والحزب الماركسي اللينيني الموحد على تشكيل ائتلاف جديد مع حزب المؤتمر النيبالي من يسار الوسط.

وقد قام وكيل وزارة الخارجية الهندي «ويكرام میشري» بزيارة إلى نيبال الأسبوع الماضي، حيث التقى بنظيره النيبالي «سيوا لمسال» وسعى إلى إعادة تعزيز الزخم في العلاقات. وناقش المسؤولان العديد من الأمور، بما في ذلك التقدم المحرز في مجال قطاع الطاقة في السنوات الأخيرة. وكانت نيبال تصدر الطاقة الكهرومائية إلى الهند، وهو ما وفر لها الطاقة النظيفة، بينما استفادت نيبال من العائدات، كما أقروا بتحقيق بعض النجاحات عندما يتعلق الأمر بربط أكبر من خلال بناء الطرق والجسور ونقاط التفتيش المتكاملة والسكك الحديدية، عبر الحدود، وكذلك خطوط أنابيب البترول. لا شك أن هناك حاجة إلى ترقية العلاقات بين الهند ونيبال، وخاصة في المجال الاقتصادي.

ومن الوسائل الرئيسية التي يمكن للهند من خلالها التواصل مع جيرانها تقاسم بعض منافع النمو السريع. من المؤكد أن العلاقات بين الهند وجيرانها الأصغر حجماً ستشهد المزيد من التقلبات في المستقبل أيضاً. ولكن خلاصة الأمر هي أن الدول الأصغر حجماً المجاورة للهند تحتاج إليها والعكس صحيح. وكل ما يمكن فعله هو إدارة الموقف.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي