في عام 1924 تنبأ عالم الجينات البريطاني «هالدن» أن العلم سيقضي على الموت، وأن المعرفة المتقدمة ستساعد الإنسان على الانتقال من نموذج الحياة القصيرة إلى الحياة الطويلة.
يقتضي الإيمان السليم اليقين بأنه لا يمكن تأجيل الموت، وأنّ كل من عليها فان، لكن العلماء ووراءهم رجال الأعمال لا يتحدثون عن صراع مع الإيمان، وإنما مع المرض ومع أكبر عدو للحياة منذ خلق الله الإنسان.. وهو الشيخوخة.
يعمل أكثر من عشرة مليارديرات من قادة التكنولوجيا في الولايات المتحدة على الاستثمار البحثي في مشروع إطالة العُمر، وتحظى شركة جيف بيزوس صاحب أمازون في وادي السيليكون باهتمام كبير، حيث يبدو بيزوس وكأنّه متفرغ لها تماماً، وهو ما جعل إيلون ماسك يسخر منه قائلاً: «إذا لم ينجح بيزوس فسوف يقاضي الموت».
يتنافس العلماء في مراكز المليارديرات ومراكز الجامعات للوصول إلى طول العُمر. في جامعة كامبريدج بحث علماء مكافحة الأمراض الخطيرة عبْر إصلاح الحمض النووي، وذلك على غرار ما تفعل الحيتان، حيث يقوم الحوت مقوّس الرأس بإصلاح تشققات الحمض النووي لمكافحة الشيخوخة، فيعيش 200 سنة.
وفي جامعة ستانفورد توصل علماء إلى نموذج جديد لتحليل الدم، حيث يتم التحليل للأعضاء كالمخ والقلب والكبد، لبحث معدل سرعة الشيخوخة في كل عضو، وذلك من خلال فحص مستويات البروتينات فيه، وهو ما يساعد على تحسين حالة الأعضاء.. التي إذا استمرت سرعة شيخوختها، ستدفع بالجسم نحو النهاية.
أمّا في جامعة هارفارد فالعلماء أكثر ثقة بأن الشيخوخة ستكون جزءاً من الماضي، وحسب أستاذ علم الوراثة الشهير «ديفيد سينكلير» فإن هناك «نسخة احتياطية» للشباب في كل خلية في جسم الإنسان، ويمكن القضاء على الشيخوخة وكذلك الأمراض الخطيرة عبْر تنشيط الخلايا الاحتياطية، فالشيخوخة هي مجرد مرض، ويمكن القضاء عليها كما يتم القضاء على العديد من الأمراض، وسوف يجعل التقدم العلمي من الشيخوخة شيئاً من الماضي.
وفي مختبر آخر بهارفارد أمكن للعلماء إجراء تجارب وقف الشيخوخة على الفئران، وقد عاشت بالفعل أكثر، ويجري إعداد أدوية لتأجيل الشيخوخة، وقد تكون متاحة في الصيدليات قبل عام 2030.
لقد وصل الأمر إلى مدى أبعد كثيراً في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، حيث يعمل باحثون على اعتبار الموت كالنوم، وأنه يمكن إعادة الحياة للذين يتم تجميد أجسادهم وأدمغتهم للحياة!
إذا كانت إطالة عمر الإنسان هي أساس عمل هذا التيار العلمي، فإن تياراً آخر يعمل على تعظيم قوته عبر «التحرير الجيني»، والذي قد ينتج سلالات من البشر الخارقين، فمن شأن تكنولوجيا النانو، والذكاء الاصطناعي وأبحاث البيولوجيا الجزيئية أن تنتصر على القيود البيولوجية للبشر.
لا يمكن أخذ كل هذه المحاولات على محمل الجد، فلن يحيي العلماء الموتى، ولن يصنعوا إكسير الحياة الذي تمنح رشفة منه الحياة الأبدية. ولكن الجهود العلمية لمكافحة المرض وإبطاء الشيخوخة وتحسين جودة الحياة.. هي جهود عظيمة تستحق الثناء والدعاء.
لا يجب أن يكون الهدف هو الوصول إلى السوبرمان أو «الإنسان بلس» لحفنة ثرية من البشر، بل يجب أن يكون الهدف الارتقاء بالبشر.. كل البشر.
الإنسان ليس مُنتجاً يجري العمل على تطوير نسخة جديدة منه، ومثل هذه المحاولات قد تدفع إلى النهاية.. لا إلى الخلود.
الاتزان المعرفي شرطٌ لازم للعلم والحياة.
*كاتب مصري