«بريطانيا تشتعل» عبارة كانت عنواناً رئيسياً في وسائل الإعلام العالمية، حيث أشعلت حشود المتظاهرين النار، ونهبت المتاجر، واندلعت الاحتجاجات المناهضة للمهاجرين بعد مقتل 3 فتيات بمدرسة للرقص في مدينة ساوثبورت. وخرج الناشطون اليمينيون المتطرفون إلى شوارع العديد من المدن البريطانية بعد انتشار إشاعات مفادها أن المشتبه به في هجوم ساوثبورت كان مهاجراً مسلماً.

وشهدت أكثر من 12 بلدة ومدينة في جميع أنحاء المملكة المتحدة أعمال عنف حفزها محرضون يمينيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وجرت مهاجمة المساجد والفنادق التي تؤوي طالبي اللجوء.

ونفت الشرطة لاحقاً كون المشتبه به في حادث القتل مسلماً، مؤكدةً أنه وُلد في ويلز، واعتقلت الشرطة البريطانية أكثر من ثلاثمائة وخمسين شخصاً، وقال رئيس الوزراء البريطاني إن كل الأشخاص الذين شاركوا في أعمال الشغب التي وقعت في المدن البريطانية «سيواجهون القوة الكاملة للقانون». كان العنف الذي ساد الشوارع البريطانية خلال الأسابيع الماضية صادماً، لكنه لم يكن مفاجئاً، فالوضع الاقتصادي المتردي وخطاب كراهية الأجانب المتصاعد والإسلاموفوبيا، مشاكل عميقة تغذي وتتغذى بالفوضى التي شهدتها المدن البريطانية.

إن الطرق المؤدية إلى الكوارث السياسية كثيرة، ولعل الطريق الأخطر على الإطلاق هو طريق الخوف، فعندما يصاب الناس بالذعر، يتصرفون بهستيرية غالباً، وتؤدي الهستيريا إلى العنف الجماعي. وعندما تقنع الأحزاب اليمينية المتطرفة وأبواقها الإعلامية الناسَ بأنهم يخوضون معركة حياة أو موت وتحكمهم ثنائية «إما نحن أو هم»، تجتاح المجتمع موجات الكراهية والعنف عند أول اختبار جماعي.

ومع الإقرار اليوم بالدور المهم الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي خاصة خدمة البث المباشر عبر تطبيق «تيك توك»، حيث تابع الآلاف البث المباشر لساعات من قبل أشخاص متورطين في هذه الاحتجاجات والتي كان لها تأثير مباشر على الرأي العام، فيما الشرطة البريطانية تتابع تطبيق التيك توك، ووسائل التواصل الاجتماعي، لتحديد المحرضين ومثيري الشغب.

لقد شهدت المجتمعات في أوروبا وأميركا تراجعاً في الوضع الاقتصادي، لذا تولدت المخاوف من المنافسة الاقتصادية للوافدين الجدد على مجتمعاتهم وبالأخص على مستقبل أطفالهم، وقد أدت تلك المخاوف إضافة إلى انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا والحركات المناهضة للإسلام والمسلمين -ويشير مصطلح الإسلاموفوبيا (رهاب الإسلام أو كراهية الإسلام)، حسب تعريف الأمم المتحدة- إلى «الخوف من المسلمين والتحيز ضدهم والتحامل عليهم، بما يؤدي إلى الاستفزاز والعداء والتعصب، إضافة إلى التهديد بالمضايقة والإساءة والتحريض والترهيب للمسلمين ولغير المسلمين، سواء في أرض الواقع أو على الإنترنت».

ورغم محاولة الحكومات تعزيز ثقافة التسامح والسلام، فإن تصاعد الخطاب المعادي للمسلمين وللهجرة، أدى إلى نمو التيار اليميني المتطرف، وتعزيز خطاب الكراهية والجرائم الناجمة عنها في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت تتغذى بالجهل، وتغذي التحيز والتمييز وفي ظل تلك الثقافة السائدة تصبح الاتهامات الضبابية الممزوجة بالعنصرية في المجتمعات مزيجاً حساساً قابلاً للانفجار بسهولة.

إن معالجة العوامل الاقتصادية والاجتماعية تعد أولوية تواجه الحكومة «العمالية» في بريطانيا، فهي بحاجة إلى معالجة قضايا معقدة ومتراكمة كارتفاع معدلات الفقر وتأثير الهجرة على الأجور والخدمات العامة وأزمة تكاليف المعيشة، والهجرة القانونية، فيما الجاليات المسلمة اليوم أضحت في مرمى عدد من التنظيمات السياسية اليمينية المتطرفة والشعبوية، والتي تحاول إلصاق صفات العنف والتشدد بمجموعات بأكملها، لأهداف سياسية أو أيديولوجية.

* كاتبة إماراتية