تضع دولة الإمارات العربية المتحدة القضاء على الفقر والجوع في العالم في مرتبة متقدمة على قائمة الأهداف الرئيسة لأجندتها الخارجية، وتتعاون مع كل الأطراف التي تعمل على تحقيق هذين الهدفين، على النحو الذي جعلها شريكاً رئيساً في جهود المنظمات الإغاثية الدولية والتكتلات الإقليمية التي تكافح الفقر والجوع. وفي الوقت ذاته تعمل الدولة منفردة، من خلال مؤسساتها المعنية ومبادراتها الرائدة، على مواجهة هاتين الظاهرتين.
وتُدرك دولة الإمارات أن الفقر والجوع يتصدران قائمة أهم المشكلات التي تواجهها الإنسانية، وأنه ليس غريباً أن يكون «القضاء على الفقر» هو الهدف الأول ضمن «أهداف التنمية المستدامة 2030»، وأن يكون «القضاء على الجوع» هو الهدف الثاني، وذلك ضمن سبعة عشر هدفًا حددتها الأمم المتحدة لمواجهة أهم التحديات التي يحتاج العالم إلى التغلب عليها. 
وتأكيداً لذلك، فقد وصف أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، في خطاب ألقاه في 27 أكتوبر 2023، الفقر بأنه «التحدي الأهمّ في عصرنا». كما قال في كلمة له بتاريخ 16 أكتوبر 2023، بمناسبة الاحتفال بـ«يوم الأغذية العالمي»، إن هناك نحو 780 مليون شخص حول العالم يعانون الجوع؛ ونحو 50 مليون طفل يواجهون خطر الموت من الهزال الشديد، مشيراً إلى النقص الفادح للتمويل اللازم لمواجهة هذا الواقع الصعب.
ويشير السجل الطويل لدولة الإمارات في تقديم المساعدات الإنسانية لمختلف الدول والشعوب حول العالم إلى عملها المتواصل من أجل حل هاتين الإشكاليتين، حيث بلغت قيمة المساعدات منذ تأسيس الدولة حتى نهاية عام 2023 نحو 95.06 مليار دولار، منها 1.83 مليار دولار خلال عام 2023 وحده، واستفاد من هذه المساعدات نحو 190 دولة. وقد أشارت وزارة الخارجية، في نهاية عام 2023، إلى أن «دولة الإمارات ودبلوماسيتها ومؤسساتها الإنسانية ستواصل سياستها في دعم تنمية الإنسان عبر تعزيز جهود القضاء على الفقر، ومواصلة المشاريع التنموية في الدول النامية التي تسهم في دعم الاستقرار والازدهار والتنمية، ودعم الشعوب المتضررة من الأزمات والكوارث».
وينطلق هذا النهج من القيم الراسخة لدولة الإمارات منذ تأسيسها، كما يكتسب بعداً مؤسسيّاً من خلال الاهتمام بالمساعدات الإنسانية في الرؤى والاستراتيجيات التي ترسم طريق الدولة نحو المستقبل، إذ تنص «مبادئ الخمسين» على أن المساعدات الإنسانية الخارجية «جزء لا يتجزأ من مسيرة دولة الإمارات والتزاماتها الأخلاقية تجاه الشعوب الأقل حظاً»، وأن هذه المساعدات «لا ترتبط بدين أو عرق أو لون أو ثقافة»، وأن «الاختلاف السياسي مع أي دولة لا يبرر عدم إغاثتها في الكوارث والطوارئ والأزمات».
ويتضح هذا البعد المؤسسي أيضاً في تشكيل دولة الإمارات «اللجنة الوطنية لأهداف التنمية المستدامة»، في يناير 2017، وهي تضم في عضويتها 17 جهة حكومية على المستوى الاتحادي، تتحمل جميعها مسؤولية تنفيذ أهداف التنمية المستدامة على الصعيد الوطني، والتنسيق مع الجهات المعنية لمواءمة ومراجعة السياسات والاستراتيجيات والمستهدفات الوطنية مع أهداف التنمية المستدامة، وبناء وتعزيز القدرات الوطنية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ومواجهة التحديات من خلال الشراكات محلياً وعالمياً، وإعداد التقارير الوطنية بشأن نتائج الدولة وجهود تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والتنسيق مع الجهات لإعداد ونشر البيانات المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة على مستوى الدولة.
وعلى مستوى إتاحة الفرصة عالميّاً للاستفادة من الخبرة الإماراتية في تسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة في المستقبل، فقد نظم وفد الدولة المشارك في أعمال «المنتدى السياسي رفيع المستوى بشأن التنمية المستدامة 2024»، والذي عُقد في نيويورك منتصف يوليو الماضي، جلسة بعنوان: «برنامج التبادل المعرفي الحكومي: حوار وزاري حول أهداف التنمية المستدامة 2045»، خُصصت لعرض التجربة الإماراتية الناجحة في عقد شراكات استراتيجية معرفية وتعاون ثنائي وبناء اتصالات مثمرة لتبادل المعارف والتجارب الحكومية الناجحة مع 35 دولة وحكومة في 5 قارات حول العالم، من خلال برنامج التبادل المعرفي الحكومي الذي أطلقته دولة الإمارات عام 2018، وهو النموذج الذي يمكن له أن يضيف الكثير إلى آليات التعاون الإقليمي والدولي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية