مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، أصبح مستقبل حلف شمال الأطلسي قضية محورية تفرق بين المرشحين الرئيسيين. فقبل أن يعلن الرئيس الأميركي جو بايدن انسحابه من الترشح في انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة، أكد دعمه القوي للتحالف، بينما أثارت انتقادات الرئيس السابق دونالد ترامب لحلف شمال الأطلسي مخاوف بين القادة الأوروبيين بشأن العواقب المحتملة لعودته إلى السلطة. إن نهج الإدارة «الديمقراطية» الحالية تجاه «الناتو» يتميز بالتزام قوي بالعلاقات العابرة للأطلسي، وتؤكد هذه الإدارة أهمية التحالفات والتعاون الدولي، وهو نهج من المتوقع أن تسير عليه كامالا هاريس المرشحة الحالية للحزب «الديمقراطي».

ومن المرجح أن تعمل رئاسة بايدن على تعزيز التزام الولايات المتحدة بالحلف وطمأنة الحلفاء الأوروبيين بشأن دعم أميركا الثابت للدفاع الجماعي وبند الدفاع المتبادل. بالمقابل، انتقد ترامب بشكل مستمر حلفاء «الناتو» لعدم تحقيق هدف الإنفاق الدفاعي بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي، والذي اعتبره عبئاً مالياً غير عادل على الولايات المتحدة. وأدى هذا الانتقاد إلى زيادة ميزانيات الدفاع بين بعض الحلفاء الأوروبيين، لكنه أيضاً خلق احتكاكاً وعدم يقين داخل التحالف.

إذا أعيد انتخاب ترامب، فإن هذا التركيز على المساهمات المالية قد يعكس سياسته «أميركا أولاً»، التي تؤكد عدم تقديم أي خدمة للدول الأجنبية دون ثمن باهظ. ومن المحتمل أن تؤدي ولايته الثانية إلى زيادة الضغط على التماسك الاستراتيجي لحلف شمال الأطلسي ودفع الأعضاء الأوروبيين إلى البحث عن ترتيبات أمنية بديلة.

وبالرغم أن بايدن يدعم أيضًا هدف زيادة الإنفاق الدفاعي من قبل أعضاء حلف شمال الأطلسي، فإن نهجه أكثر تعاوناً وأقل مواجهة من نهج ترامب، فهو يعزز التعاون بين الأعضاء ويقلل المخاوف المالية. كذلك نهج ترامب تجاه روسيا، المتمثل في محاولاته لتحسين العلاقات الثنائية، أثار قلقاً بين حلفاء الناتو.

إذا أُعيد انتخابه، فمن المحتمل أن تتجه رئاسة ترامب نحو موقف أكثر تصالحاً تجاه روسيا، مما قد يؤدي إلى تغيير استراتيجيات الدفاع لحلف الناتو في أوروبا الشرقية، وربما يؤدي ذلك إلى تقسيم التحالف بين من يؤيدون موقفاً صراماً تجاه روسيا ومن يفضلون الالتزام بالمشاركة.

وعلى النقيض من ذلك، اتخذ بايدن موقفاً أكثر حزماً تجاه روسيا، مؤكداً الحاجة إلى دعم حلفائه في أوروبا الشرقية. ومع دخول كامالا هاريس السباق الرئاسي، من المرجح أن تستمر استراتيجية الحزب «الديمقراطي» الأميركي تجاه حلف شمال الأطلسي في التركيز على ردع التهديدات الروسية، والحفاظ على موقف دفاعي قوي في أوروبا الشرقية، وتعزيز تدابير الأمن الجماعي.

إن مستقبل حلف شمال الأطلسي يعتمد بشكل كبير على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية. يقدم ترامب وكامالا هاريس رؤى متباينة للتحالف، لكن كلا منهما يسلط الضوء على أهمية التعاون والشراكة القوية عبر الأطلسي. ومع ذلك، فإن ما يميزهما هو سياسة «أميركا أولاً» التي ينادي بها ترامب، لضمان استمرارية حلف شمال الأطلسي في مواجهة التحديات الأمنية العالمية، يجب الحفاظ على الالتزام وإيجاد أرضية مشتركة.

* باحثة سعودية في الإعلام السياسي