كان أداء الأشخاص من أصل هندي الذين هاجروا ليس فقط إلى أوروبا، بل أيضاً إلى القارات الأخرى بما فيها أميركا، أداءً جيداً للغاية في العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم. لقد ساهموا بشكل كبير، اقتصادياً وسياسياً، في العديد من البلدان التي يقيمون فيها. وفي العديد من البلدان حول العالم، لم يساهم المغتربون الهنود في الاقتصاد فحسب، بل أدوا كذلك أدواراً قيادية رفيعة المستوى.
ويتجلى هذا في علاقة الهند بالانتخابات الرئاسية الأميركية الجارية، حيث تم تسليط الضوء على السيدة «أوشا تشيلوكوري فانس»، بعد أن تم اختيار ترامب لزوجها «جي دي فانس»، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو، كي يكون المرشح «الجمهوري» لمنصب نائب الرئيس. وتؤكد «أوشا» (39 عاماً)، وهي محامية، قصةَ نجاح المهاجرين الهنود إلى أميركا. كما يُنظر إلى تعليمها ومؤهلاتها المهنية باعتبارها مثيرة للإعجاب، وتلخص كيف استمرت الجالية الهندية بالولايات المتحدة في النمو من حيث النفوذ الاقتصادي والسياسي. تخرجت «أوشا» من كلية الحقوق بجامعة ييل، حيث شملت أنشطتُها المشاركةَ في مشروع مساعدة اللاجئين العراقيين.
وفي عام 2015، بدأت عملها مساعدة في شركة محاماة أميركية، حيث تولّت الدعاوى المدنية والطعون في القطاعات. وعملت أيضاً مع اثنين من قضاة المحكمة العليا في الولايات المتحدة. و«أوشا فانس» واحدة من أحدث الأميركيين الهنود الذين استحوذوا على الأضواء.
ومن بين الآخرين نائبة الرئيس الحالي «كامالا هاريس»، والرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت «ساتيا ناديلا»، والرئيس التنفيذي لشركة جوجل «ساندر بيتشاي». وفي الحزب الجمهوري نفسه كان هناك مرشحون للرئاسة مثل «نيكي هالي» و«فيفيك راماسوامي». وأظهر تقرير جديد أن الأميركيين الهنود يدفعون نحو 5 إلى 6% من جميع ضرائب الدخل في الولايات المتحدة على الرغم من أنهم يشكلون 1.5% فقط من سكان البلاد.
وذكر التقرير أن الجالية الهندية القوية البالغ عددها 5.1 مليون نسمة تدفع ما يقرب من 250 إلى 300 مليار دولار كضرائب دخل في الولايات المتحدة، وقد عززت بشكل كبير قدرتَها التنافسية الاقتصادية على مر السنين. ويُذكر أن حوالي 70% من الجالية الهندية في الولايات المتحدة يحملون الجنسية الأميركية.
وبالمثل في المملكة المتحدة، كان هناك سياسي من أصل هندي يشغل منصب رئيس الوزراء حتى وقت قريب وهو «ريشي سوناك». وقد هُزم حزب المحافظين الذي يتزعمه سوناك في الانتخابات البرلمانية البريطانية الأخيرة. شغل سوناك منصب رئيس وزراء بريطانيا لمدة عامين، وهو الآن زعيم المعارضة. وفي المملكة المتحدة أيضاً هناك جالية هندية كبيرة تقدر بنحو 1.5 مليون شخص. في عام 2020، ذكر تقرير لـ«جرانت ثورنتون» أن هناك 654 شركة بريطانية كبرى لها صلة بالشتات الهندي.
وتحقق هذه الشركات معاً حجمَ مبيعات سنوي قدره 36.84 مليار جنيه إسترليني، وتدفع 1.045 مليار جنيه إسترليني كضرائب، وتستثمر قرابة 1.98 مليار جنيه إسترليني في شكل نفقات رأسمالية، وفقاً للتقرير. وعلاوةً على ذلك، فإن عدد المغتربين الهنود ينمو أيضاً في دول مثل ألمانيا واليابان، حيث يتزايد الطلب على المهنيين الهنود المهرة.
ةوتسعى اليابان على سبيل المثال إلى توظيف ممرضات هنديات ومتخصصين في مجال البرمجيات. وعلى نحو مماثل، تبذل ألمانيا كلَّ ما في وسعها لتلبية احتياجاتها من العمالة الماهرة، وتسعى إلى توظيف «مواطنين هنود من ذوي المهارات العالية».
وقد تعاونت المصالح الحكومية الهندية والألمانية المعنية، مع بيوت الأعمال الألمانية، وبشكل مشترك، في إعداد استراتيجية «العمال المهرة الهنود»، لمناقشتها من قبل الحكومة الألمانية هذا الخريف. وفي وصفه لأهمية «العقول النيرة والأيدي المساعدة» الهندية، قال وزير العمل الألماني إن بلاده ستحتاج إلى سبعة ملايين عامل بحلول عام 2035 في قطاعات التصنيع والبناء والرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات. وبالنسبة للهند، يعد تزايد المغتربين الهنود نقطة إضافية لتعزيز الاقتصاد الهندي.
ووفقاً للبنك الدولي، كانت الهند أكبر متلقٍ للتحويلات المالية في عام 2023 بقيمة 125 مليار دولار، مثلت حوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي الهندي. ومن المتوقع أن يرتفع هذا المبلغ إلى 135 مليار دولار في عام 2024. ومن هنا فمن الواضح أنه على الرغم من أن الهنود قد يشكلون جزءاً صغيراً من سكان الولايات المتحدة، إلا أن لهم تأثيراً اقتصادياً كبيراً. ويذكر هنا أن حوالي ثلث تحويلات المغتربين الهنود المالية العام الماضي كانت قادمة من دول الخليج. لكن في الوقت نفسه، فإن أعضاء الشتات يتشبعون بثقافة البلد الذي يعيشون فيه، لكنهم يحتفظون إلى حد كبير بجذورهم الهندية.
وهذا يجعلهم سفراء للهند، وهو الأمر الذي اعترف به رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي واستغله بفعالية كبيرة. فكلما سافر مودي إلى بلد حرص على عقد لقاءات مع الجالية الهندية في ذلك البلد.
وهذا يساعد الهند أيضاً في الاستفادة من العدد الكبير من الهنود الذين يعيشون في الخارج عندما يتعلق الأمر بتحسين أو تعميق العلاقات مع بقية بلدان العالم. ليس ثمة شك في أن الشتات الهندي في العديد من البلدان يثري الاقتصادات، لكنه يعمل أيضاً على مساعدة الهند.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي