حن نعيش الآن عصر شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت هي القوة الإعلامية التي لها القدرة والإمكانات للسيطرة على المشهد الإعلامي العالمي، وليس المحلي فقط، وأصبحت العلاقة بينها وبين الإعلام التقليدي من أهم القضايا المحورية التي تؤثر في المجتمعات الحديثة. ويبقى لنا أن نقف لنطرح تساؤلاً مهماً الآن: هل فقد الإعلام التقليدي قدرته وزخمه في التأثير في الرأي العام أمام تأثير وقوة شبكات التواصل الاجتماعي؟
للإجابة عن هذا التساؤل نتأمل تأثير الإعلام التقليدي مقابل شبكات التواصل الاجتماعي، وهذا يدفعنا لنتعرف على بعض النقاط المحورية في كل منهما.
الإعلام التقليدي
مؤسسات إعلامية نظامية: يعمل الإعلام التقليدي من خلال مؤسسات إعلامية نظامية تحكم العاملين فيه قواعد مهنية ملزمة، وتلتزم بها المؤسسات الإعلامية التي تلتزم أيضاً بمعايير جودة ودقة في نقل الأخبار وطرح القضايا والنقاشات.
محتوى دقيق ومعمق: يقدم الإعلام التقليدي في الكثير من أنماطه محتوى دقيقاً ومفصلاً وعميقاً من خلال التقارير الصحفية أو الأفلام الوثائقية أو ما شابههما وحين يكون جاذباً للمتلقي، فإن حجم تأثيره سيكون أكثر عمقاً وقادراً على بناء وعي ووجهة نظر عند المتلقي.
شبكات التواصل الاجتماعي
الانتشار السريع: من أهم مميزات شبكات التواصل الاجتماعي، هو حجم انتشارها، حيث أظهرت أحدث الإحصائيات أن 60% من سكان العالم يستخدمونها، وذلك يسمح بسرعة انتشار الأخبار والمعلومات كما يمكن لمحتوى معين أن يصل إلى ملايين الأشخاص في دقائق.
التفاعل المباشر: توفر منصات التواصل الاجتماعي مساحة للمستخدمين للتفاعل الفوري مع الأخبار من خلال التعليقات والمشاركات والإعجابات، مما يخلق تفاعلاً مباشراً بين الجمهور والمحتوى.
الحرية النسبية: يتمتع فيها المشتركون بحرية نسبية واسعة على شبكات التواصل الاجتماعي، وتوفر منصات متعددة بينها تنافسية عالية في استقطاب المستخدمين بمنحهم المزيد من الحرية والتحرر من القيود والتفاعل الثقافي المباشر بين الثقافات المختلفة والمتباينة يسمح بعمق وقوة تأثير شبكات التواصل الاجتماعي.
الأخبار الزائفة: شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت مصدراً مخيفاً للأخبار الزائفة، وخاصة بعد التطور المخيف لتقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي أصبحت قادرة على صناعة الصورة والفيديو المزيف بصورة عميقة.
مما سبق يمكننا أن نعترف أن الإعلام التقليدي يقف حالياً على حافة السقوط في هوة الانزواء والضعف وفقد القدرة الكاملة أمام سيطرة شبكات التواصل الاجتماعي، ولكن لا يمكن القول إنه فقد قدرته الكاملة، ولكنه يواجه تحديات كبيرة في ظل هيمنة شبكات التواصل الاجتماعي.
ولكي يبقى الإعلام التقليدي على وجوده وتأثيره في الساحة، ولا يكون مصيره الانزواء وكتب التاريخ مثل الكثير من الأنشطة البشرية التي لم تستطع مقاومة التحديث والتطور، فصارت مجرد سطور في التاريخ، لا بد أن تعيد المؤسسات الإعلامية التقليدية صياغة خطابها وآلياتها الإعلامية بصورة أكثر ديناميكية وخلق نمط تفاعلي مع المجتمع ودعم الحرية الفردية والحوار المباشر مع المجتمع وتطوير محتوى رقمي ذكي جذاب وذي إيقاع يتماهى مع تسارع إيقاع العصر الحديث، خاصة إيقاع الشباب الذي يفقد انجذابه ناحية المحتوى الإعلامي التقليدي وبرامجه الحوارية الطويلة وتقاريره المفصلة.

ولا بد أن نشير أن هناك بعض المؤسسات الإعلامية بدأت تذوب في شبكات التواصل الاجتماعي، وتصطبغ لغتها الإعلامية بصبغتها، وتصنع محتوى جاذباً أكثر تأثيراً ووصولاً للمجتمع وتحرراً من نمطية التقليدية التي مع الوقت ستتحول إلى صناديق متحفية من زجاج تقطع العلاقة المباشرة ما بين الإعلام التقليدي والمجتمع.

*باحثة إماراتية في الأمن الاجتماعي والثقافي، أستاذ زائر بكليات التقنية العليا للطالبات، أستاذ زائر بجامعة الإمارات العربية المتحدة.