يُعد السباق الرئاسي الحالي في الولايات المتحدة الأميركية أكبر عملية حصار ذهني ونفسي تمت ممارسته على شعب غربي منذ فترة طويلة، وطيف شامل من أسلحة الترهيب السياسي باسم الديمقراطية، وعلى سبيل المثال لا الحصر تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي بالمقدمات والنقاشات حول حرب أهلية قادمة، وإطلاق فيلم سينمائي في دور السينما الأميركية والعالمية يتحدث عن سيناريو حرب أهلية، ومن حادثة محاولة اغتيال ترامب إلى أزمة سيبرانية عالمية تعطل قطاعات حيوية في العالم ونسبها لخطأ شبه مستحيل لا يرتكبه الهواة في ذلك المجال، إلى التلويح بالوباء العالمي القادم، والقائمة تطول وقيادة العالم على المحك.

ووفقاً لاستطلاع «ماريست الوطني» الذي أجري في الشهور الماضية، يعتقد ما يقرب من نصف الأميركيين أن الولايات المتحدة يمكن أن تندلع فيها حرب أهلية ثانية أثناء فترة حياتهم بعد 163 عاماً من بدء الحرب الأهلية الأولى، ومن بين الأحزاب «الجمهورية» و«الديمقراطية» والمستقلة، يعتقد «الجمهوريون» أن احتماليه اندلاع حرب أهلية من المرجح أن تصل إلى 53%، ويوافق على ذلك 40% من «الديمقراطيين» و41% من المستقلين، وفي استطلاع «سيينا» يعتقد 58% من ناخبي الجيل Z وجيل الألفية أن الحرب الأهلية محتملة، وهو ما يزيد على ثلاثة أضعاف معتقدات الجيل الصامت حيث يرى 19% من هؤلاء الناخبين حرباً أهليةً في المستقبل، وتبلغ نسبة الناخبين من الجيل العاشر الذين يرون احتمال نشوب حرب أهلية 46%، وجيل الطفرة السكانية 34%، كما توضح إحدى استطلاعات الرأي بأن 23% من الأميركيين يؤيدون انفصال واستقلال ولاياتهم كدول مستقلة، واليوم هناك أميركيون - سواء من اليسار أو اليمين - يدعمون العنف السياسي، وتضاعفت أعمال العنف ذات الميول اليسارية وفقاً لقاعدة بيانات الإرهاب العالمي، بينما يعدّ اليمين مسؤولاً عن ما يقرب من أربعة أضعاف عدد حوادث العنف التي نسبت لليسار.

الدولة الأميركية بُنيت على أسس عرقية ودينية، ولا يزال الدستور الذي وضعه فصيل محدد من الشعب ليعكس قيمه ومبادئه وقناعاته هو السائد إلى يومنا هذا، ويبدو لي أن معظم المشاكل السياسية التي تواجهها الولايات المتحدة الأميركية في العصر الحديث تأتي من تنامي القاعدة الاشتراكية اليسارية واليمينية المتطرّفة على حد سواء، وهو الذي أدى إلى مزيد من التدهور في المجتمع الأميركي، وأما بالنسبة لفكرة الحرب الأهلية الأميركية الثانية، فهناك الكثير من الغضب في كلا الجانبين في الوقت الحالي، ولربما أن كل ما يتطلبه الأمر حقاً هو بعض الاضطرابات السياسية الكبرى مثل الانتخابات أو تغييرات سياسية جديدة داخل البلاد لبدء الحرب، ولكني استبعد نشوب حرب أهلية في المدى القريب والمتوسط مع وجود ممهدات حقيقية لتسريع وتيرة اندلاع حرب، وذلك على غرار العبودية الحديثة في شكل الرعاية الاجتماعية وتمركز الثروة في يد قلة قليلة، والفساد المتفشّي في الأحزاب السياسية وتأثير ذلك على كل مناحي الحياة، وسيطرة لوبيات معينة على سير السياسة الأميركية، والمنافسة الخارجية الحادة التي ترى في هشاشة تركيبة المجتمع الأميركي فرصةً ذهبيةً لتقسيم أميركا إلى خمس دول وتدميرها من الداخل.

وفي دولة تحمي جماعات التفوّق العرقي الأبيض والجماعات الفاشية ولا تصنفها كجماعات إرهابية، وتسنّ القوانين التي تحمي حريتها بينما هي تصنف بأنها إرهابية في بعض دول العالم، وذلك على غرار كندا ونيوزيلندا التي تصنف جماعة «الفتية الفخورين» المسلحة (Proud Boys) كجماعة إرهابية، وفي مجتمع إن لم يكن لديك سلاح يمكنك الذهاب لشراء واحد من متجر «وول مارت»!

استطيع أن أزعم أن الأمر يصبح شبه مستحيلاً في السيطرة على الأمور إذا ما خرجت عن السيطرة، وأحد طرق السيطرة إما انتشار وباء، أو تتابع الكوارث الطبيعية على سبيل المثال لمنع حدوث فوضى عارمة تطيح بهيبة الدولة، أو إسقاط حكومة لتحل محلها أخرى، وهي أمور يبدو الخوض فيها جنونياً ولكنها السياسة في أبشع حللها، وواقع من لا يعرف أن السياسة ليست للمثاليين والذين يحلمون بالمدينة الفاضلة.

*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.